كانت يا محترم ليلة ليلاء، احتشدت فيها برامج «التوك شو»، تندد بالجريمة النكراء، وعلى أثر هذا خرج الجميع يعلنون أنهم يشعرون بالعار؛ على نحو أيقنت معه أن المخزون الاستراتيجي المصري من «الشحتفة»، يكفي للأجيال القادمة، لتمارس حقها في «الشحتفة»، بما يمثل حفاظاً على الهوية المصرية، فلا أظن أن شعباً آخراً يمكنه أن يقارن نفسه بنا في هذا المجال الحيوي، فأروني شعباً «يتشحتف» كما «نتشحتف»!
لا بأس، فعندما يقال العار أهون من «قعدة الرجل في الدار» فإن هذا يأتي من باب المجاز، فلا شيء يفوق العار، الذي شعر به كثيرون في يوم استيقظت فيه من نومي على وقع هذا الشعور، إذ وجدت أكاليل العار تلطخ صفحات «الفيسبوك»، بسبب قيام مجموعة من المصريين في إحدى قرى محافظة المنيا، بتعرية سيدة مسيحية مسنة، ومع بداية تكشف الحقيقة فإن الذين شعروا بالعار اختفوا في ظروف غامضة، مع أن التشكيك في الرواية كان كفيلاً بأن يزيل المرارة التي في حلوقهم، ولكن على ما يبدو أن القوم كانوا يبحثون عن ميدان يمارسون فيه «الشحتفة»، ولم يكن يشغلهم أكثر من هذا!
بالصوت والصورة
كنت في اليوم السابق، قد قرأت عن حادثة إحدى قرى مركز «أبو قرقاص» في محافظة المنيا، عبر بعض المواقع المسيحية، وقد عرضته إحدى القنوات التلفزيونية المسيحية، ورأيت صورة لفيديو عليه إشارة ببدء التعامل معه، بشكل يوضح أن المشهد بالصوت والصورة، ولم أتعامل معه ليلتها. واكتفيت بقراءة الخبر المنشور، الذي يوضح ما جاء في برنامج هذه القناة، فإذا يتحدث عن قيام مسلمين بإشعال النار في منازل أقباط القرية، بهدف تهجيرهم!
وفي المساء والسهرة، التقطت برامج «التوك شو» في قنوات «عبد الفتاح السيسي» الخيط، لتجعل منه موضوع الساعة، لتخب توقعاتي، فلأن الانقلاب العسكري الحاكم في مصر عودنا على قضايا الإلهاء، التي يخفي بها جرائمه، فعندما نشر خبر القبض على من تم وصفها إعلامياً بأنها «أخطر» امرأة تسهل الجنس للراغبين في المتعة الحرام، فقد قلت هذا هو الموضوع الجديد، وقد عرفنا الاستخدام لهذا النوع من القضايا لدغدغة المشاعر، وكان مبارك نفسه يهتم بالتفاصيل كما لو كان شاباً يافعاً.
وإذ نشرت الصحيفة التي كنت أتولى فيها موقعا قيادياً، موضوعاً في غيبتي عن نواب في إحدى المحافظات اتهمتهم ساقطة بأنهم مارسوا الجنس معها في شقة مملوكة لأحدهم، وزيادة في التشويق جاء النشر بأن «المحرر» يملك «سي دي» بالواقعة، فإذا باتصالات هاتفية تأتيني من جهة سيادية، لا تريد أكثر من الـ «سي دي»، وظننت أن الطلب يستهدف إسقاط عضوية هؤلاء لفقدهم شرط حسن السمعة والسلوك، مما يمثل نصراً للصحيفة، ولأني كنت على اتصال بالمحرر، الذي كان يقيم في محافظة أخرى، وأخبرني أنه بالفعل يملك الـ «سي دي» ولم يكن هذا صحيحاً، وأنه في طريقه إلي، ولأن هواتفنا كانت تحت المراقبة، فقد ألقت جهة سيادية أخرى القبض على المحرر، لأعلم بعد ذلك أنها استهدفت أن تقطع الطريق عليه لتحصل هي على التسجيلات، لأن هذه الأجهزة طلب منها جميعها هذه التسجيلات بناء على طلب «الرئيس» لا سيما وأن المنشور يدغدغ المشاعر الجياشة للشباب من أمثاله!
في مواجهة المشكلات الاقتصادية في حكومة الدكتور كمال الجنزوري في عهد مبارك تم إلقاء القبض على عدد من الفنانات بتهمة ممارسة الأعمال المنافية للآداب بأجر قبل أن يتدخل الجنزوري ويتم الإفراج عنهن، وقد أرجع هذا إلى الأجهزة الأمنية التي لم تبال بسمعة الأعراض!
إسقاط الطائرة
صحيح أن واقعة «سيدة المعادي» ليست فيها نجوما، لكني اعتقدت عندما يجن الليل، يمكن أن يتم ضم النجوم لها ولو بالرموز، ليتم شغلنا عن قضية إسقاط الطائرة، التي بدأت تأخذ مساراً أخراً، عبر عنه «أحمد المسلماني» في برنامجه التلفزيوني!
فقد ذكر «المسلماني» أن مناورات عسكرية إسرائيلية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية واليونان كانت في المجال الجوي الذي أسقطت فيه الطائرة!
لقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، وبدأ حديث الرأي العام بأن إسرائيل أسقطت هذه الطائرة، فهل تم إسقاطها للتغطية على القرض الجريمة الذي حصل عليه السيسي في السر من روسيا، ونشر في الجريدة الرسمية في يوم إسقاط الطائرة؟!
أم حدث للتغطية على الحرائق، التي تعرضت لها منطقة وسط البلد المقرر سراً بيعها للشركات الأجنبية، وتم التغطية عليها بحرائق امتدت بطول والوطن وعرضه، قبل أن تتوقف تماما في يوم إسقاط الطائرة؟!
وهل إسقاطها للتغطية على بيع «تيران وصنافير»، أم على الجفاف الذي ضرب الأراضي المصرية، وهل التوظيف الدرامي لحادث «أبو قرقاص» كان للتغطية على أزمة الجفاف أم على موضوع الطائرة، أم على كليهما؟!
عندما شاهدت محمد ناصر على قناة «مكملين» يخصص حلقة لموضوع الجفاف وينقل فيديوهات للأرضي وقد تشققت وحسرة أصحابها، خشيت للوهلة الأولى أن تكون «مفبركة» للنيل من قنوات الثورة ومن واحد من أهم مقدمي البرامج فيها، لكن وجدت برنامج «العاشرة مساء» يعرض المأساة وصور الأرض التي بلغ بها الجفاف حد أنها تشققت وبدت أقرب لقطع البلاط المستخدم قديماً قبل مرحلة السيراميك، لكن عذري وأنا ابن الصعيد، لم أشاهد في حياتي أرضا بهذا الشكل، لأننا لم نعرف الجفاف الذي عرفناه في زمن العسكر الذين فرطوا في حصة مصر التاريخية من المياه!
في أزمة الطائرة، ظهر فريق مارس «الشحتفة» على أوسع نطاق، بإدعاء أن هناك من هم يشمتون في الضحايا، وسهامهم موجهة للقوى الرافضة للانقلاب، وبحثت ولم أجد واحداً شامتاً، بل كلهم دافعوا عن سمعة الطيار المصري وعن شركة مصر الطيران، في حين أن التشهير بالطيارين المصريين تم على قناة «صدى البلد» وفي برنامج «أحمد موسى»!
بيد أن الذين مارسوا «الشحتفة» هنا اختفوا، ولم نسمع لهم صوتاً عندما بدأ الحديث عن إسقاط الطائرة بفعل فاعل، وأن الفاعل قد يكون صاروخاً إسرائيلياً، على النحو الذي قاله «المسلماني»، والذي لا أعرف دوافعه لإعلان أن مناورات جرت في هذه الأجواء، وهو الذي كان مقرباً من دوائر السلطة ومتحدثاً باسم «المؤقت» عدلي منصور، فهل رداً على تهميشه في مرحلة السيسي؟ والكل فيها تم تهميشه حتى من مثلوا له غطاء مدنيا؟ أم أن «المسلماني» اهتم بالنصر الإعلامي فلم يبالي والسيسي يستر العورات، التي تبدت للناظرين بطرف ثيابه، ويعلن أن التحقيقات قد تستمر وقتاً طويلاً؟!
الإخوان وراء التضخيم
وكان لا بد من البحث عن قنبلة غاز، ظننت أنها ستكون في قضية الآداب سالفة الذكر، لكنها تمثلت في توظيف حادث «أبو قرقاص» وإعطائه شكلاً طائفياً، فبعد أن تناولته قناة مسيحية محدودة المشاهدة والتأثير، سهرت فضائيات الثورة المضادة ليلة كاملة تقلبه على الوجوه كافة. وقد قيل إن اتهاماً لشاب مسيحي بأنه أقام علاقة مع زوجة صديقه المسلم، ولأنه هرب فقد تم الاعتداء على والدته وتجريدها من ملابسها!
محافظ المنيا اللواء طارق نصر كان على قناة «صدى البلد» وإن لم ينف الحادث فقد ذكر أن الإخوان وراء تضخيمه (!) ونفى تماماً أن تكون واقعة تجريد السيدة من ملابسها قد حدثت. في الوقت الذي كان فيه أسقف قنا على قناة «دريم» يعلن أن 300 شاب مسلم قاموا بتجريد السيدة من ملابسها، واتهم الأمن بالتقصير في حين أن مطرانية المنيا وأبو قرقاص أشادت في بيان لها بالأداء الأمني!
إذا قبلنا بالحضور الكنسي في المشهد، فلا أعرف السر وراء أن يكون أسقف قنا هو ضيف «دريم» وليس «أسقف المنيا وأبو قرقاص» ومطرانيته تمثل الاختصاص المكاني؟ لكن راعني أنه تم تزوير نفي محافظ المنيا، من أجل الاستمرار في ممارسة «وصلة الشحتفة» فقد نُشر أنه قال يجب ألا نحول عملية التعري إلى قضية، وعليه تم الإعلان أنه يقلل من حجم جريمة عرض مصر المستباح، وهل ترضاه لأمك؟
لأن أحداً لم يكن يريد بعد «الوصلة» أن يصدق أن واقعة التجريد من الملابس مختلقة، فقد وقع تزوير التصريحات، وقد ذهبت أبحث عن الفيديو الذي يسجل بالصوت والصورة الواقعة فلم أعثر عليه، فليس له وجود وإن كان البعض في ممارسته لـ «الشحتفة» تعامل كما لو كان شاهده فعلا!
لقد انشغل الرأي العام بحادث أبو قرقاص ليلة ويوما، وفي انتظار حادث جديد حتى ننسي جملة الكوارث التي حلت بمصر بما فعلت أيدي العسكر.
أيها الصائح: «إني أشعر بالعار»، هارد لك!
أضف تعليقك