• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

لو صحت واقعة تعرية السيدة المسيحية في صعيد مصر بالتفاصيل التي ذكرتها بعض وسائل الإعلام فهي مدانة بكل المعاني أولا، وهي كاشفة وليست منشئة لحالة من التوتر الطائفي تتصاعد يوما بعد يوم منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، بعدما تراجعت نسبيا عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، التي شارك فيها مسيحيون إلى جانب المسلمين بالمخالفة لقرار الكنيسة وقتها.

كما أنها تأتي في سياق سلسلة من حالات التعرية لسيدات مصريات على يد حكم العسكر وأعوانه، ولنتذكر هنا ست الستات، وكشوف العذرية، واغتصاب الحرائر في السجون والأقسام وسيارات الشرطة.

التشكيك في التفاصيل التي نشرتها بعض وسائل الإعلام حول واقعة السيدة سعاد ثابت ليس تهربا من واجب التنديد والاستنكار، بل هو تمسك بواجب التثبت والتبين في هكذا قضايا حساسة، حتى لا نصيب قوما بجهالة فنصبح على ما فعلنا نادمين.

والحقيقة أن ما نشرته بعض وسائل الإعلام وعلى رأسها بعض الأصوات المسيحية حول الواقعة، التي قدم عرضا تراجيديا ظلت فيه السيدة عارية من ثيابها لوقت طويل ولمسافة طويلة أيضا، وسط مظاهرة كبيرة من أهالي القرية المسلمين الذين أرادوا -بحسب تلك الأصوات- التنكيل بالسيدة سعاد، كونها والدة شاب قبطي أقام علاقة غير مشروعة مع سيدة مسلمة في القرية ذاتها ظهر أنه غير دقيق.

وبعد أن سارع الكثيرون لاستنكار ما حدث؛ ظهرت روايات أخرى مخالفة كليا أو جزئيا لما سبق، لن أتحدث عن شهادات قيادات الأمن التي نفت الواقعة فهي عندي مجروحة بل معدومة، لكنني أتحدث عن شهادات صحفيين على صلة بالحدث كتبوا بعض التفاصيل على صفحاتهم الشخصية، وشهادة عمر راغب عمدة القرية التي شهدت الحدث (قرية الكرم في مركز أبوقرقاص- المنيا) الذي أكد أن ملابس السيدة سعاد تمزقت أثناء المشاجرة والشد والجذب، وأن جاراتها المسلمات هن من قمن بسترها على الفور..

ولم يحدث أن طاف بها المتظاهرون القرية وهي عارية، كما نشرت المواقع القبطية إلخ.. ناهيك عن أن السيدة المسيحية قدمت بلاغا للشرطة بعد أسبوع من الواقعة ما يعني أن أطرافا دفعتها لذلك.

على كل حال، ما جرى يستحق التنديد والإدانة سواء حدثت التعرية الكاملة والتشهير بالسيدة المسيحية، أو تم فقط تمزيق ملابسها، فهذا الفعل فوق أنه يجافي القيم الدينية، فهو يجافي أيضا العادات والتقاليد لأهالي المنطقة من مسلمين ومسيحيين.

وأنا شخصيا أتفهم تلك الغضبة سواء للمسلمين على "عرض فتاتهم" أو للمسيحيين على "عرض سيدتهم" أيضا، باعتباري واحدا من أبناء تلك المنطقة التي فيها مسقط رأسي، الذي لا يبتعد كثيرا عن مكان الواقعة.

حادثة السيدة المسيحية هي واحدة من حوادث طائفية كثيرة وقعت في تلك المنطقة، وفي غيرها من المناطق من قبل، وهي كاشفة للأجواء الطائفية المحتقنة في مصر التي زاد احتقانها بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، مع انحياز الكنيسة المصرية بشكل فاضح لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والصلاة من أجله داخل الكنائس والتحرك دوليا لدعمه، وبروز حالة استعلاء طائفي تستبطن روحا ثأرية لدى البعض مما يراه مسيحيون اضطهادا لهم في أزمنة سابقة، سواء على أيدي حكومات أو مواطنيين عاديين.

وهذه الحالة تدفع بعض الشباب المنفلت لارتكاب حماقات شخصية يدفع ثمنها الوطن كله، ونتذكر هنا أن العديد من الكنائس والمحال والمنازل التي يملكها مسيحيون تعرضت لاعتداءات واسعة عقب فض اعتصام رابعة مباشرة، وهو ما دفع قيادات الحراك الميداني ضد الإنقلاب إلى تشكيل مجموعات حماية للكنائس أثناء سير المظاهرات باعتراف مطران محافظة المنيا الأنبا مكاريوس.

وقد سارعت القوات المسلحة لإصلاحها جميعا، وهو ما ستفعله أيضا لمنازل المسيحيين التي تعرضت للاعتداء في هذا الحادث الأخير.

لم تتوقف الجرائم الطائفية من قبل ثورة 25 يناير ومن بعدها وإن زادت وتيرتها بعد الانقلاب كما ذكرنا، لكن اللافت أن الروح الوطنية للأقباط المشاركين في ثورة يناير كافحت ضد الروح الطائفية تماما كما حدث على الجانب الإسلامي، وذلك انطلاقا من روح ميدان التحرير التي أحلت الروح الوطنية محل الطائفية ووفرت مكانا وطنيا للحوار والالتقاء والتعايش لمدة 18 يوما بين أبناء الوطن من مسلمين ومسيحيين.

وبدأت مجموعات مسيحية تعيد طرح مطالب المسيحيين ومشاكلهم على أرضية وطنية لا طائفية، حتى إن اتحاد شباب ماسبيرو (وهو تجمع مسيحي مدني) تشكل في الشهور الأولى للثورة عقب الاعتداء على كنيسة صول بمركز أطفيح جنوب الجيزة كان يرفض وجود القساوسة في الاعتصام الكبير للأقباط أمام مبنى ماسبيرو احتجاجا على تلك الواقعة وغيرها من الوقائع اللاحقة.

وواكب ذلك أيضا تعاطف إسلامي مع المسيحيين عند وقوع بعض الحوادث ضدهم، ففي حادث كنيسة أطفيح التي وقعت يوم 5 مارس 2011، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من تنحي مبارك  عن السلطة هرعت مجموعات متنوعة من المسلمين إلى المكان ضمت رموزا إسلامية عامة مثل الشيخ محمد حسان وصفوت حجازي ورموزا إخوانية، مثل الدكتور محمد البلتاجي وبعض نواب الإخوان، ورموزا ليبرالية ويسارية وعددا من نشطاء الثورة.

وكنت شخصيا بين أولئك الحضور، حتى تمكنت تلك الوفود (خاصة الإسلامية) من وأد الفتنة، ولم يغادر نواب الإخوان بقيادة محمد البلتاجي المكان إلا بعد أن اطمأنوا تماما لانصراف المعتصمين المسلمين من أمام مقر الكنيسة، ثم قاموا بتسليم المقر للجيش لبدء عمليات الترميم.

في الفتنة الأخيرة في أبو قرقاص، كما في فتنة سابقة في المدينة ذاتها وقعت عام 1990، ولسبب مشابه أيضا، وفي فتن طائفية في أماكن أخرى، تبين أن من يقف خلفها هم أنصار الحكم العسكري.

ففي المرة الأولى وقعت الفتنة نتيجة الكشف عن شبكة دعارة يقودها أحد أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهو نجل نائب برلماني عن الحزب الوطني في ذلك الوقت، وفي الفتنة الحالية أيضا فإن المتهمين الرئيسين من أنصار السيسي الذين رقصوا له وأقاموا الأفراح والليالي الملاح فرحا باستيلائه على السلطة.

ولذلك فإن أجهزة الأمن تحاول تسوية الموضوع بشكل ودي (عبر مجلس صلح عرفي) بهدف التستر وإنقاذ أنصارها المتهمين، ومن المضحك أن هذه الأجهزة وجهت الاتهام للإخوان بالضلوع في الحادث!!

تبقى كلمة للذين بادروا لشجب واستنكار ما وقع للسيدة القبطية، وهو أمر محمود، لماذا لم نر منكم استنكارا مماثلا عندما تعرضت فتيات مصريات أخريات للاغتصاب من قبل رجال شرطة وداخل سيارات الشرطة، وداخل مقار الحبس والاحتجاز وبعض أقسام الشرطة؟

ألسن مصريات أيضا يجب الدفاع عنهن؟! أم هي الموازين المختلة؟ نأمل أن تكون موازيننا واحدة لجميع المصريين بل للبشرية جمعاء.

أضف تعليقك