قد كان فى الفراعنة الذين مضوا طيش وغباء لا حدود لهما -وهو ما عليه فراعنة ومستبدو اليوم- اغتروا بقواهم، وخرجوا على أقوامهم بطرًا ورئاء الناس، فقال كبيرهم -فرعون موسي-: أنا ربكم الأعلي، كبرًا وجهلاً، وقال: أليس لى ملك مصر؟ وسخر من النبى المرسل، كليم الله، ونعته بأوصاف لا تليق بأسوأ وأحط البشر؛ كل هذا وربك حليم عليه، يرسل إليه الآيات واحدة تلو الأخرى، لكن (البعيد) كان أخرق بالغ الحمق لا عقل له.
وإذا كان الله يحلم على الظالمين الجهال عديمى الدين منزوعى الضمير، فإن هذا الحلم إلى حين، فعدل الله لا يحتمل التأجيل؛ حيث يملي ربك لهم ليزدادوا إثمًا، وليخوضوا فى غيهم خوضًا؛ ليثقل ميزان الذنوب، وليطفح كيلهم حتى إذا أخذهم العزيز لم يفلتهم، وهذا حال كل من بغى وطغي، وعلا واستكبر وظن أن لن يعجزه شيء فى الأرض ولا فى السماء، ساعتها يكون العقاب أليمًا، والجزاء من جنس العمل، والفضيحة على رءوس الأشهاد، وما كان ربك نسيا.
يظن شخص تافه، لا يحسن الكلام، لا يفرق بين ظهر وبطن، أن الناس طوع أمره، وأنه ملك القوة، وأنه يأمر فيطاع، ويقول فيسمع لقوله؛ خوفًا من بطشه ورجاء ما عنده، فيسعى فى الأرض فسادًا؛ يقتل هذا، ويسجن هذا، ويستحل دم هذا، ثم يجد من بطانته من يصفقون له، ويثنون على فعاله، فيزاد فى الناس إيذاءً وتنكيلاً، يفعل كل هذا وهو سادر فى غيه لا يدرى أن المحصى يعد له عدًا ويستنسخ كل ما يفعل، لكن الصفة الفرعونية التى حلت به -على حقارته- تجعله يجمع الجريمة على أختها، والجناية على ما هى أكبر منها؛ فرحًا بما جنت يداه، لكنه الخزي؛ خزى الدنيا والآخرة، ففى الأولى يختم له بالصغار والنكال والإهانة والضياع، وفى الآخرة عند الله عذاب شديد، ومقت ونار وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
لقد أفرز (الربيع العربي) تجارب رائعة فى هذا الأمر لمن أراد أن يذكر، لكن كما قال الحكيم -وقوله الحق-: فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فالمنافقون والفاسقون المحاربون لدين الله تعالى لا ينتفعون بتلك التذكرة.. لقد رأينا ما فُعل بحكام مستبدين سجنوا مواطنيهم وساموهم سوء العذاب، وأفقروا بلادهم وجعلوها فى ذيل الأمم، وقد سلموا مفاتيحها للغرب الصليبى أو الكيان الصهيوني.. رأيناهم وقد زالت ممالكهم، وسلبوا سلبًا، ومُنعوا مما كانوا فيه، من جنات وعيون، هرب بن على وخلف وراءه أموالا لا حصر لها، وقصورًا ومزارع وأطيانًا وقناطير مقنطرة، وقتل القذافى شر قتلة، وقد عرضت جثته على مواطنيه كما عرضت جثة فرعون موسى على من خلفه، وشتتت عائلته، وسجن أولاده، وصار أثرًا بعد عين، ومبارك الذى كان يتحدث كأنه إله؛ سلب ملكه وذل بعد عز، وودع حياة القصور التى ظن أنه ملكها عن أبيه، وألقى فى مستشفيات العسكر، وقد صار مأمورًا بعد أن كان آمرًا، ذليلاً بعد أن كان عزيزًا.
ظننا أن أحداث الربيع العربى سوف تذكر الناسي، أو سوف توقظ الغافل عن قوانين السماء التى لا تتقادم ولا يتغير حكمها بتغير الزمان أو المكان.. لكن يبدو أن الفسق والإجرام البشرى قد فاق قدراته الإنسانية المعهودة، ففى مصر ابتلينا بمن هم أكثر إجرامًا من مبارك، ولما لم يخرج الأخير من محبسه، ورغم الآيات العديدة التى أرسلت -ومازالت- إليهم؛ إذ حل عليهم الفشل من أول يوم، فكلما أقاموا مشروعًا هدمه الله، وكلما شرقوا أو غربوا جاءتهم الريح بما لا يشتهون..
إذًا: ماذا تنتظرون؟!، هل تنتظرون صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود؟!، أم تنتظرون أن يغرقكم البحر كما فعل بفرعون وملئه؟ أم تنتظرون الخسف؟!
ليكن فيكم من يستعمل عقله محررًا، بعيدًا عن توجيهات البيت الأبيض أو أوامر الكنيست الصهيوني، وبعيدًا أيضًا عن (رز) الخليج.. إن البلد على حافة الانهيار، لا مبالغة والله فى ذلك، على المستويات كافة جراء المصائب التى ارتكبتموها والجرائم التى اقترفتموها، ولا خروج من تلك الحفرة من النار إلا بالتأخر للخلف خطوات، وبنزع فتيل الفتنة التى استعر أوارها بين الأهلين، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، وكم من صادق فى توبته نال الدرجات العلى لإخلاصه وصدقه، وكم من تائه ضائع رشد وأفاق وصار له ذكر فى العالمين.. فهل من متعظ؟!
فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمرى إلى الله، إن الله بصير العباد.
أضف تعليقك