• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

وقفت على حقوق غير المسلمين فى المجتمع المسلم عند فقهائنا القدامى والمعاصرين منهم الدكتور عبدالكريم زيدان "فى أحكام الذميين والمستأمنين"، والشيخ القرضاوى فى "غير المسلمين فى المجتمع المسلم"، والدكتور محمد سليم العوا "فى النظام السياسى للدولة الإسلامية"، فوجدت الإنسانية تجسدت فى منظومة من الأحكام الفقهية التى تقررت لهم.

من ذلك حق الحماية من الاعتداء الخارجي، والحماية من الظلم الداخلي وتشمل حرية المعتقد وإقامة شعائرهم وبناء كنائسهم ودور عبادتهم بالقدر الذى يسعهم،وحماية الدماء والأبدان، والأعراض والأموال، وحرية العمل والكسب، والتنقل داخل الدولة والخروج منها والعودة إليها، كما يجب ضمان الحياة الكريمة لهم عند الكبر، فى ضوء ما تسمح به موارد الدولة،  وفك أسراهم من أيدي المحاربين.

ففي حرية المعتقد جاء الدستور الإلهى فى قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].

وفي ضمان حريتهم فيما له خصوصية لهم: قال الفقهاء: أمرنا أن نتركهم وما يدينون.

وجاء في المادة (16) الفقرة (جـ) من الدستور الذى أعده المجلس الإسلامي العالمي (الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلى شريعة الإسلام). وفي حمايتهم من الاعتداء الخارجي:جاء قول الفقهاء (يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفك أسراهم ودفع من قصدهم بأذى).

ويحكي ابن حزم الإجماع ــ كما يروى عنه القرافي ــ على (أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة) حتى عقب القرافي على هذا بقوله: (فعقد يؤدى إلى إتلاف النفوس والأموال صونا لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم).

وفي حمايتهم من الظلم الداخلي جاء قوله صلى الله عليه وسلم فى سنن أبى داود: "من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة".

وفي تاريخ الطبري كان عمر يسأل الوافدين من الأقاليم عن حال أهل الذمة مخافة أن يكون قد نالهم أذى على أيدي أحد من المسلمين ويقول: (لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى) فيقولون: "ما نعلم إلا وفاء".

وفي حماية دمائهم قرر الفقهاء أن دماءهم وأنفسهم معصومة، وقال على بن أبي طالب: (إنما قبلوا عقد الذمة لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا).

وفي حرمة أموال الذميين يرعى الإسلام أموالهم وممتلكاتهم حتى إنه ليحترم ما يعدونه ــ حسب دينهم ــ مالا وان لم يكن كذلك في نظر المسلمين، فالخمر والخنزير لا يعتبران مالًا عند المسلمين، أما الخمر والخنزير فهما مالان عند الذمي بل من أنفس الأموال فمن أتلفهما على الذمي غرم قيمتها، قال أبو عبيد فى كتابه الأموال: (الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة، ولا يكون مالًا  للمسلمين).

وعلى هذا فلا يعاقب الذمي بشرب الخمر ولا تراق عليه بل ترد عليه إذا غصبت منه، ويضمن متلفها، بخلاف إتلاف خمر المسلم فإنه لا يوجب الضمان ولو كان المتلف ذميًا كما يقول ابن نجيم فى الأشباه والنظائر.

وفي حماية أعراضهم قرر الفقهاء كما جاء فى حاشية ابن عابدين الحنفى أنه (تحرم غيبة الذمى كالمسلم لأنه بعقد الذمة وجب له مالنا، فإذا حرمت غيبة المسلم حرمت غيبته، بل قالوا: إن ظلم الذمي أشد).

وفي كفالتهم عند العجز والشيخوخة والفقر قرر المسلمون الأوائل أن من تمام حق الذمي في الدولة المسلمة كفالته عند العجز والشيخوخة والفقر، حتى لا يقال إن أحدا من رعايا الدولة المسلمة لحقه الجوع بسبب فقره أو عجزه.

وفي الحديث كما جاء عند البخارى: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).

وقد روى أبو عبيد فى الأموال بسنده أن عمربن عبد العزيز قال: بلغني أن أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثم ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.

وبهذا تقرر الضمان الاجتماعي في الإسلام ــ كما يقول الدكتور القرضاوي ــ باعتباره مبدأ عاما يشمل أبناء المجتمع جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، ولا يجوز أن يبقى في المجتمع المسلم إنسان محروم من الطعام أو الكسوة أو المأوى أو العلاج فإن دفع الضرر عنه واجب ديني، مسلمًا كان أو ذميًا.

هذا ديننا، بينما يصيبنى الغم عندما لا يجد الفارون من الحروب التى صنعها الغرب فى ديارنا مأوى آمنا يلوذون به، ويموتون فى عرض البحار، وتطفو أجسادهم على سطح المياه، أو يلقى بها البحر على ساحله، فى مشهد يفضح إنسانية الغرب المزعومة، وهم يستمتعون بمشاهد المعذبين والمطاردين على شاشات التلفاز دونما أن يحركوا ساكنا.

وجدت إنسانية وضياء فى ظل الإسلام، ووجدت ظلاما من الغرب.

أضف تعليقك