في زفة حاملة الطائرات الفرنسية "ميسترال"، لا يمكن أن تمنع نفسك من التفكير في أسئلة عديدة مرتبطة بالحدث الذي تتعامل معه وسائل إعلام عبد الفتاح السيسي باعتباره أكبر من بناء عمارات سكنية فاخرة لسكان العشوائيات على سطح كوكب المريخ.
أولاً: ماذا يعني أن تحصل مصر على مثل هذا السلاح الخطير، من دون أن تنزعج إسرائيل، أو تشعر بالقلق، أو تحتج لدى الحكومة الفرنسية؟.
أظنك تتذكّر، أو يمكنك أن تنعش ذاكرتك، بالتنقيب في محرك البحث الإلكتروني عن قصف طائرات الكيان الصهيوني المفاعل النووي الذي حصلت عليه بغداد مطلع الثمانينات من فرنسا، وتدميره، كونها لا تسمح لأية عاصمةٍ عربيةٍ بامتلاك الحد الأدنى من القدرات التي تهدّد أمنها.
يعني هذا ببساطة أن إسرائيل راضية بشكل كامل على صفقة "الميسترال"، تماما كما هي سعيدة وراضية للغاية بصفقة جزيرتي تيران وصنافير، ما يؤشر إلى أن الصهاينة واثقون من أن رجلهم في القاهرة استطاع أن يدمج الأمن القومي المصري بأمن الكيان الصهيوني. وبالتالي، لا خطورة متوقعة على "تل أبيب" يمكن أن تأتيها من "قاهرة السيسي".
لفت نظرك أنهم اختاروا لحاملة الطائرات اسم جمال عبد الناصر لحظة استلامها من الفرنسيين، أمس، لتبدأ الإبحار إلى المياه المصرية مع حلول ذكرى"النكسة" في الخامس من يونيو/حزيران، وكأنهم أرادوا إذلال الرجل والذكرى، غير أن السؤال الأهم هنا: هل باتت العربية السعودية تحب جمال عبد الناصر إلى الحد الذي تدفع فيه من ميزانيتها المتعبة صفقة شراء حاملة الطائرات الفرنسية، ويوضع عليها اسم خصمها التاريخي اللدود عبد الناصر لأجل خاطر عبد الفتاح السيسي؟
أحيلك هنا إلى ما نشره موقع تلفزيون"روسيا اليوم" في سبتمبر/ أيلول 2015، نقلا عن وكالة نوفوستي الروسية قبل نحو عامين عن الصفقة، حين نقلت عن مصادر فرنسية قولها إن السعودية ستساعد مصر في شراء حاملتي الطائرات المروحية من طراز ميسترال اللتين صنعتا خصيصا لروسيا، قبل أن تجمد باريس الصفقة مع موسكو. ونقلت صحيفة Express عن مصدر مطلع في الحكومة الفرنسية تأكيده أن المساعدة السعودية "ستكون كبيرة".
الأمر نفسه أكده موقع ديبكا الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الأمنية والاستخباراتية، عن تعهد السعودية والإمارات بتمويل صفقة حاملتي طائرات "الميسترال" المزمع شراؤهما من فرنسا لصالح البحرية المصرية.
ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن صفقة حاملتي الطائرات كانت بين موسكو وباريس بالأساس، قبل أن تدفع أزمة أوكرانيا فرنسا إلى إلغائها، التزاماً بموقف أوروبي ضد روسيا، كما أن الأخيرة لم تغضب، حين قيل إن السعودية التي لم تكن علاقة القيصر بها على ما يرام، دخلت على الخط لتحويل مجرى الصفقة للسيسي. ومن ثم، فإنك لن تبتعد عن الحقيقة لو قلت إن نظام عبد الفتاح السيسي لم يكن طرفاً فاعلا أو مؤثرا في هذه"الزفة الدولية".
وعلى ذلك، تبدو هذه الفرحة المصطنعة، المبالغ فيها، أقرب إلى فحوى المثل الشعبي المصري عن "فرحة الأهبل بالزفة"، اجترارا لهذه الحالة من "الهبل المبتذل" التي اندلعت في التعامل مع افتتاح ما تسمى "قناة السويس الجديدة" في مصر، كمشروع إعلامي، إعلاني، ديماغوجي، يريد صانعوه الاحتفاظ بها بعيداً عن متناول العقل والنقاش العلمي والموضوعي.
ليس مسموحاً هنا بالتفكير في حال حاكمٍ لا يترك مناسبةً إلا ويتحدّث فيها عن تآكل الدولة، حتى توشك أن تصبح "شبه دولة" منهارة اقتصاديا، إلى درجة أنها تبيع المستقبل في سوق نخاسة القروض التعجيزية، أو النقاش حول معقولية إن يبدّد مواردها المالية في صفقات أسلحة لصالح نظام يقتات على طرح نفسه سمسار سلام على الطريقة الصهيونية، حتى وإن كان آخرون هم الذين دفعوا ثمن الصفقة.
هم يريدونها حفلة "هلوسة قومية"، تدور فيها الرؤوس، وتغيب العقول عن الوعي، على إيقاعات "الوطنية الملوثة"، بالتزامن مع اصطناع مهرجان الدجل التلفزيوني الكاذب عن نقل سكان العشوائيات إلى "جنة الجنرال".
أضف تعليقك