يقول لكم أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال الصهيوني، "لطّختم اسم الدين الحنيف بالإرهاب"، ثم يسألكم "منذ متى كان شهر رمضان مصحوباً بالقتل والإرهاب؟".
وتقول لكم الإعلامية المصرية، بثينة كامل، إن عملية المقاومين الفلسطينيين ضد الاحتلال فجر أمس جريمة!
في شهر رمضان، من العام الماضي، كانت مصر الرسمية مشغولةً بالحرب على الشيخ محمد جبريل، وتأديبه، بعد أن ارتكب خطيئة الدعاء على الظالمين، والفاسدين وسافكي الدماء، وأعداء الأمة، حيث تم منعه من السفر، وإحالته إلى النيابة، حتى حكم القضاء الإداري بإلغاء قرار المنع من السفر، ليأتي رمضان هذا العام وجبريل في المنفى، بينما أفيخاي في قلب المشهد الرمضاني مهنئاً الشعب بالشهر المبارك، مؤديا الواجب، بدلاً من عبد الفتاح السيسي الذي كان مشغولاً بمخاطبة شعب الاحتلال الإسرائيلي.
الآن، أنت بصدد تطوّر مذهل، يتمثل في أن الناطق بلسان الإرهاب الإسرائيلي ينتقل من مرحلة الاستظراف على معتنقي "الدين الحنيف" إلى تنصيب نفسه متحدّثاً باسم الدين الإسلامي، مزاحماً علي جمعة وخالد الجندي، وهو يعلق على العملية الفدائية، البطولية، التي نفّذها شابان فلسطينيان في متجر قريبٍ من مقر وزارة الحرب الإسرائيلية، وأسفرت عن أربعة قتلى، وإصاباتٍ عديدة.
يثرثر هذا المستعمر الوضيع عما يجب، ولا يجب في رمضان، الشهر الذي ارتبط في الذاكرة بالانتصار على غطرسة العدو الصهيوني في حرب 1973، ثم يتسافل أكثر وأكثر، حين يصف المقاومين بالإرهابيين السفلة.. وإذا كانت العملية قد أوجعته، كونها استهدفت عسكريين صهاينة، مع الأخذ في الاعتبار أن كل صهيوني مستعمر عسكري بالضرورة، فما الذي يجعل إعلاميةً مصريةً، مثل بثينة كامل، تقاسمه الرأي والرؤية، وتعتبر المقاومة إجراماً؟
"أفيخاي" المتلطخ بالجهل والإجرام لن يعدم أن يجد من يعلّمه أن كل ما يرضي إسرائيل هو الإرهاب بعينه، وأن كل ما يؤلمها هو البطولة والمقاومة الباسلة، المشروعة، لكنه في احتياج أكثر لمن يُفهمه أنه، بهذا الخطاب، يُحرج أصدقاءه وأحباءه من مشايخ الإجرام والقتل في القاهرة، إذ إن الإرهاب الفعلي، والتلطيخ الحقيقي للدين الحنيف به، وقع في رمضان قبل ثلاث سنوات، على أيدي السفاحين الذين تتبناهم إسرائيل دبلوماسياً واستخبارياً، حين قتلوا مئات من سكان البلاد الأصليين، في أحداث الحرس الجمهوري، ثم عند النصب التذكاري للجندي المجهول، ثم أكملوا حفلهم الدموي، المدعوم صهيونياً في عيد الفطر المبارك، في ظل تصفيق حاد من عصابات الإجرام الإسرائيلي، التي اعتبرت صعود القتلة إلى حكم مصر بمثابة انتصار للصهاينة.
كانت "إسرائيل" قد وصلت إلى حالةٍ من الثقة بموت الغضب المقاوم، جعلتها لا تتوقع أن يقدم عاشقان للأرض على خطوةٍ توقظ الأمة النائمة في فراش الانحطاط التلفزيوني الرمضاني، وتذكّر الناس بالقضية الأم، وتعيد ضبط المفاهيم والمصطلحات، ليعود العدو عدواً، والمقاومة مقاومة.
رعب إسرائيل لم يأت، فقط، من أن المقاومة الفلسطينية تمكّنت من الوصول إلى العمق الصهيوني، بل يجيء أيضاً من انتعاش زهور الفرح الشعبي بالعمليات البطولية للمقاومة، وتحرير الوعي المختطف، المعذّب، في أقبية التعريف الصهيوني للإرهاب، والمقرّر على النظام الرسمي العربي، نصاً مقدّساً، لا تسامح في الخروج عليه.
هل لاحظت أن الدعاء بالنصر "لإخواننا في فلسطين" لم يكن موجوداً في صدر لائحة الأدعية الرمضانية في المساجد؟
بعضهم نسي الدعاء للأقصى، وبعضهم تناساه، إيثاراً للسلامة، من رقيبٍ يعد أنفاس المصلين، ويكاد يفرض ضرائب على عدد التسابيح والأدعية، وصنف ثالث تجاهل الأمر، كون الحكاية "حكاية فلسطين" ابتلعها الصمت الرسمي العربي المطبق، وبات لدى بعض الدول العربية حكام على درجة "سفير" للكيان الصهيوني.
تتفاوت المسألة من بلد عربي إلى آخر، ففي مصر، مثلاً، تُعامٓل المساجد في رمضان، معاملة مراكز الشرطة ونقاط التفتيش، فعيون الأمن مفتوحة على الخطباء والمصلين، والخطب نفسها، حسب خطةٍ جرى الإعلان عنها قبل بداية شهر الصوم، تباهي فيها وزارة الأوقاف بأنها ستقطع قدم من تسوّل له نفسه الاقتراب من المساجد، بغير تصريح.
في وسط هذا الليل البهيم، من الطبيعيّ أن يتقدّم أفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الاحتلال، الصفوف، ويعلّم المسلمين العرب شؤون دينهم ودنياهم، مطوّراً خطابه الديني، من التهاني والتبريكات بالشهر الفضيل، إلى تقديم الفهم الصهيوني للإسلام، أو يمكنك القول: الإسلام كما يريده الصهاينة.
أضف تعليقك