كشف مصدر داخل أحد سجون العسكر، عن معلومات مثيرة عن المحاضرات و"المراجعات" التي تجريها وزارة داخلية الانقلاب العسكري، لأفكار السجناء السياسيين والإسلاميين والمعتقلين، على خلفية رفضهم للانقلاب العسكري.
كانت صحيفة الشروق المصرية قد نشرت تحقيقاً عن محاضرات قام بها مستشار قائد الانقلاب العسكري، أسامة الأزهري المختص بعلوم الحديث والكلام والمعروف بمشروعه "إحياء معالم المنهج الأزهري" الذي صار له حضور سياسي بارز بعد الانقلاب حين صار مستشار السيسي للشؤون الدينية، وذكر التحقيق أن أسامة السيد بدأ سلسلة المحاضرات بالفعل داخل سجن "العقرب 2" لمجموعة من السجناء السياسيين ذوي الخلفية الإسلامية.
جلسات تحقيقات
وذكرت الصحيفة قيام ضباط الأمن الوطني بالسجن بعمل جلسات تحقيق مع الكثير من الشباب، مؤكدين أنه عقب كل جلسة سيكون هناك تحقيق لمعرفة مدى التغيير الذى طرأ على أفكار الحاضرين من السجناء تمهيداً للسعي إلى العفو عمن يتأكد تخليه عن الأفكار التي يحملها.
مصدر داخل أحد السجون قال لـ«هافينغتون بوست عربي»-رفض ذكر اسمه- قال إن هذه المحاضرات حدثت بالفعل، وإن زملاءه تناقشوا مع أسامة الأزهري حول ما يصفه بالأفكار التكفيرية وغير الوطنية لمؤسسي جماعة الإخوان حسن البنا وسيد قطب، لكن النقاش لم يكن حراً بالطبع لأنه كان على عين رقيب أمن الدولة الذي كان يرفض أن يتحول النقاش لحوار فكري حقيقي، رغم أن السجون المصرية المكتظة بالسجناء تشتمل يومياً على هذه الحوارات بين السجناء وبعضهم بعضاً، خاصة وأن كثيراً من السجناء لا تجمعهم خلفية سياسية ولا فكرية واحدة، وبعضهم لا يجمعهم إلا سوط الجلاد وصوت السجان، حسب تعبير المصدر.
وكان الأزهري قد ألقى محاضرات لطلاب جامعة الأزهر حمّل فيها سيد قطب مسؤولية "الأفكار العنيفة التي نشأت على يد الجماعات التكفيرية"، معتبراً أنه "أعرض عن تجربة علماء الإسلام في فهم الوحي واعتبره جاهلية واختار فهمه الشخصي وتصوراته الخاصة ليقدم أطروحته القرآنية التي استقاها من الخوارج ومنهم المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي واستباحت تكفير عموم المسلمين"، على حد تعبيره.
مجرد محاضرات دورية
إلا أن الأزهري نفى إجراء مراجعات مع السجناء وقال في بيان له "ما نشر في هذا الصدد غير صحيح بالمرة ويفتقد التثبت" لافتاً إلى أن محاضراته داخل السجون دورية ومتكررة وليست الأولى وتأتي في إطار التعاون الدائم بين وزارة داخلية الانقلاب والمؤسسات الدينية من أجل حث السجناء على الانضباط والإصلاح والتهذيب وإسداء النصح سواء داخل السجن أو خارجه.
ورغم نفي الأزهري إلا أن المصدر الذي تحدث لـ"هافينغتون بوست عربي"، أشار إلى أن العملية تجري داخل السجون على ثلاث مراحل، حيث يتم تجميع السجناء المتوقع أن يتجاوبوا مع المحاضرات من كل السجون المصرية إلى مكان واحد هو أحد السجون بمجمع طرة، حيث تعقد لهم جلسات في "العقرب2"، ويأتي أسامة الأزهري أو غيره من شيوخ الأزهر ليلقي المحاضرات التي لا تتخللها نقاشات حقيقية، خاصة وأن السجناء لديهم مظالم كثيرة بسبب ظروف الاعتقال السيئة والتضييق على أهاليهم في الخارج واستشهاد عدد من أصدقائهم منذ 25 يناير وحتى الآن، بأيدي قوات الجيش والشرطة وهي القضايا التي يرفض المحاضر نقاشها.
ماذا ستفعل بعد الإفراج؟
وفي المرحلة الثالثة يكون التحقيق مع ضباط أمن الدولة، ويشتمل التحقيق على أسئلة تركز بشكل أساسي على ما سيفعله المعتقل بعد إطلاق سراحه وإن كان ينوي أن يمارس أي نشاط سياسي وضرورة أن يدين العنف ضد الدولة، وألا ينضم لأي تيارات سياسية أو جماعات إسلامية على الإطلاق في المقابل لا يقدم المحققون وعوداً صريحة بالإفراج عن المعتقل، ولكن يفهم ضمناً أنه قد يطلق سراحه في وقت غير معلوم.
وأكد المصدر أن اللقاءات تجري بترتيب قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية، وأنهم هم الذين يقومون باختيار من يحضر المحاضرات مستغلين الضغوط المادية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي يتعرض لها المعتقلون وأهاليهم الذين يبحثون عن أي فرصة لإخراج أبنائهم من السجون وعودتهم للحياة الطبيعية واستكمال أعمالهم أو دراساتهم.
وذكر المصدر أن أغلب السجناء الذين يحضرون اللقاءات ليسوا أعضاء بجماعة الإخوان وإن كانوا اعتقلوا على خلفية هذه التهمة المفترضة، وأن كثيراً منهم اعتقل بسبب مشاركته في مظاهرات سلمية أو اعتصامات ضد الحكم العسكري، وأن الشباب منهم يعتبرون أنهم يدافعون عن الثورة وليس جماعة الإخوان ولا غيرها.
من جانبه تناول الكاتب فهمي هويدي في مقاله بعنوان "عن مسلسل المراجعات" بجريدة الشروق الموضوع مشككاً في إمكانية نجاح الفكرة، معتبراً أن وضع جميع الإسلاميين المسجونين في سلة واحدة من علامات التبسيط وسوء التقدير؛ لأن الصراع مع الإخوان الذين يشكلون أغلبية المسجونين كان ولا يزال سياسياً وليس فكرياً أو فقهياً، من ثم فإن ترشيح بعض الفقهاء للحوار معهم في أفكارهم يصبح أقرب إلى استدعاء مهندس لعلاج مريض.
أضف تعليقك