يعلم نظام عبد الفتاح السيسي أن قضيتي التخابر مع قطر وحركة حماس، محض هراءٍ وتهريج، وأن الرئيس محمد مرسي، وكل المتهمين بهذه القضية المضحكة، أبرياء.
ويعلم الرئيس مرسي والمتهمون أن نظام عبد الفتاح السيسي يعلم أنهم أبرياء، ونعلم جميعاً أن سلطة الانقلاب تعلم أن القضية ليست أكثر من وسيلةٍ للمناكفة السياسية والابتزاز الاقتصادي.
وبالضرورة، تعلم القوارض التلفزيونية والإلكترونية النشطة في الهتاف باسم وطنيةٍ فاسدةٍ، صنعت في إسرائيل، وممارسة كل أشكال التخوين، بطريقةٍ كوميديةٍ ركيكة، والتهديد والتخويف بالتصفية في الغربة، تعلم أن القضية من الأساس زائفة ومصطنعة.
إذن، ما سر هذه الاحتفالات الصاخبة في دولة "السيسيتان" لمناسبة صدور أحكامٍ بالإعدام والسجن المؤبد في قضية أعطوها اسم "التخابر مع قطر"؟.
الحكاية، باختصار، تبدأ وتنتهي في الكيان الصهيوني الذي يحصدُ، الآن، ثمار ما زرعه في مصر قبل ثلاثة أعوام، من نظام صنعوه بأعينهم وثبتوه، وانطلق يعربد في التاريخ والجغرافيا، فيحذف اسم "إسرائيل" من قائمة الأعداء، ويعبث في مناهج التعليم، على النحو الذي يرضيها، ويمنحها صوته في المحافل الدولية، ويقوم بدور "الجرّار" لقافلة التطبيع، ويسعى إلى توسيع "عملية السلام"، وتدفئتها وتسخينها، وإدخال أطرافٍ عربية جديدة فيها، ويتصّل برئيس الحكومة الصهيونية، مرّة على الأقل أسبوعياً، لتلقي "الأوردرات" وتنفيذها، قبل ذلك وبعده، تسجيل سابقة تاريخية في سجل العلاقات العربية/ العربية بوضع واحدةٍ من دول الضاد في لائحة الاتهام بالتخابر والتجسّس على دولةٍ عربية شقيقة.
تلك هي النقطة المحورية في الموضوع: إلغاء تصنيف الكيان الصهيوني عدواً، وإقحام قطر و"حماس" مكانه، الأولى عقاباً لها على إعلام مهني محترم، يتبنى أحلام وتطلعات شعوب الربيع العربي، والثانية لأنها لا تزال تقاوم، وترفض الانصياع لإغواء الدخول إلى مخدع المشروع الصهيوني للمنطقة.
من الناحية القانونية، تبدو القضية مهلهلة، من أولها إلى آخرها، إذ تبرئ المحكمة الرئيس مرسي ومساعديه من تهمة التخابر، فينطق الحكم "ببراءة كل من محمد محمد مرسي عيسى العياط، وأحمد محمد محمد عبدالعاطي، وأمين عبدالحميد الصيرفي، وخالد حمدي عبدالوهاب رضوان، ومحمد عادل حامد كيلاني، وأحمد إسماعيل ثابت إسماعيل، وكريمة أمين عبدالحميد الصيرفي، وأسماء محمد الخطيب، في اتهامهم بالحصول على مستندات بغرض تسليمها لجهاتٍ أجنبية".
وعلى الرغم من إقرار المحكمة ببراءة المتهمين الرئيسيين من الحصول على مستنداتٍ بغرض تسليمها لجهاتٍ أجنبية، فإنها تعاقب المتهمين الذين يأتون في المراكز المتأخرة من لائحة الاتهام بالإعدام، الأمر الذي يرجّح أن المستهدف في هذه الدراما العبيطة كلها أن يدشّن نظام عبد الفتاح السيسي عصراً إسرائيلياً جديداً، يتهم في العرب بعضهم بعضاً بالتجسّس والتخابر، بينما في خلفية الصورة مطرب استراتيجيٌّ بائس يغني نصاً شائها على إيقاعات صهيونية شاذة، يقول "إسرائيل لم تعد عدواً لمصر.. إسرائيل لا تشكل خطراً".
وبموازاة ذلك، يصدمك استسلام بعض الأصوات لإغراء وضع المتهمين بالتخابر مع قطر في سياقٍ واحد مع حكاية الجاسوس الإسرائيلي، عزام عزام، مدخلاً لتأكيد أن متهمي التخابر مع قطر لم يلاقوا الحد الأدنى من المعاملة التي حصل عليها جاسوس إسرائيل الذي تبوّل في قاعة المحكمة، فأطلقت سراحه وسلمته لسلطات الاحتلال.
هذا نوع من التعاطف الساذج، الضار، مع المحكومين بالإعدام، لا يخدم إلا نظام السيسي ومن يقف خلفه، ويحقّق غرضه من القضية برمتها.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن السياق ينبئ أحياناً، أو يحيل، أو يؤشر أكثر من النص الصريح، فلا يصحّ أن يوضع مصريون، تعلم المحكمة نفسها، أنهم أبرياء ومواطنون محترمون، في مقارنة غير مباشرة مع حالة جاسوسٍ يحمل الجنسية الإسرائيلية، كما أن هذا السرد التاريخي لا مردود له سوى أنه يحشر قطر مع إسرائيل، في مقارنةٍ صامتة.
لا المتهمون جواسيس ولا قطر، أو أي دولةٍ عربية أخرى، يهمها التخابر على جيش الشقيقة العربية الأكبر التي تعيش، في ظل هذا النظام البائس، على مساعداتٍ ومنح وقروض العواصم العربية التي تتهم إحداها بالتخابر.
ثم، من يضيّع وقته في التجسس على دولة، جيشها يبيع الخرّوب، ويسرح بالمعجنات في الشوارع، ويسمح لفيالق من متقاعديه، بعد وضع ملصق "خبير استراتيجي معتمد" ببيع الحكايات والأسرار والأرقام كل ليلة على نواصي الفضائيات، وفي سراديب "التوك شوز"؟.
من يتجسّس على دولة لديها "عباس" ملك التسريبات؟!
أضف تعليقك