ها هي الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري تحل على مصر حاملة معها المزيد من الشرور للمصريين، ثلاث سنوات عجاف كانت كافية لتزيح الغمام عن أعين الكثيرين حتى يروا الأشياء على حقيقتها، فالذين رقصوا طربا لهذا الانقلاب من قبل بوهم أنه ثورة شعبية يرقصون اليوم ألما "رقصة الذبيح" بعد أن طالتهم نيران هذا الانقلاب فزجتهم في السجون والمعتقلات، وطردتهم خارج الوطن، وطاردتهم داخله، وحطمت كل أحلامهم في وطن حر وعيش كريم.
التحية واجبة بطبيعة الحال لمن امتلكوا بصيرة ثاقبة مكنتهم مبكرا من رؤية الجنرال عاريا، ورؤية انقلابه على الديمقراطية سافرا، وبالتالي وقفوا ضده رغم أنهم كانوا معارضين أيضا لحكم الرئيس مرسي، لكنهم أدركوا أنهم كانوا يعارضون حاكما مدنيا هو أهم ثمار ثورة 25 يناير، وأنهم كانوا يعارضونه للصالح العام ولصالح الثورة وليس للانقلاب عليها، والتحية واجبة أيضا لمن تصدوا ببسالة لهذا الانقلاب منذ اليوم الأول بل قبل أسبوع من إعلانه رسميا حين تأكد وقوعه حيث سارعوا لتأسيس التحالف الوطني لدعم الشرعية يوم 28 يونيو 2013، وضم قوى إسلامية وأحزاب سياسية وشخصيات عامة وممثلين عن طلاب مصر وعمالها ومهنييها وأساتذتها، وظل التحالف رغم كل ما تعرض له من تقلبات هو الحامي الأمين لثورة 25 يناير ومنجزاتها وأبرزها هو انتخاب أول رئيس مدني لمصر بعد 60 عاما من الحكم العسكري المتواصل، واستمرت المظاهرات التي يرعاها التحالف في شوارع مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية لتؤكد مجددا أنه لن يضيع حق وراءه مطالب رغم مواجهتها من قبل السلطة العسكرية بمنتهى القمع، والتحية واجبة أيضا للرئيس الصامد محمد مرسي الذي أربك حسابات قوى الانقلاب في الداخل والخارج بصموده، ومنح المقاومين لذلك الانقلاب المزيد من الصلابة والصمود.
بعد مرور ثلاث سنوات على الانقلاب العسكري وانكشاف سوءاته لم يعد هناك عذر لأي عاقل في الاستمرار بدعم هذه السلطة التي أورثت مصر الخراب والانهيار في كل شيء، وقضت على حلم الديمقراطية والحياة المدنية، كما أنه لم يعد هناك عذر لمن يتراخى عن مواجهة هذا الانقلاب تحت تأثيرات حالة الإستقطاب السياسي التي ساهمت مخابرات العسكر في صنعها قبل وقوع الانقلاب وتمهيدا له، ولم يعد مقبولا ممن يدعي وصلا لثورة 25 يناير أن يصرف جهده ووقته في معارك وهمية أو فرعية مع زملاء سابقين له في الميدان، وينشط في استدعاء مواقف وفيديوهات قديمة بينما يواصل الخصم الحقيقي ضرباته للجميع دون تفرقة سياسية أو دينية أو مناطقية.
الإخلاص لثورة 25 يناير ودماء شهدائها الأبرار يقتضي تحركا مخلصا أيضا من جميع مكوناتها الإسلامية والليبرالية واليسارية، والاتفاق على مشروع وطني للخلاص من الانقلاب وحكم العسكر، ووضع تصور لإدارة المرحلة الانتقالية والدائمة بعد ذلك، وعدم السماح لمثيري الفتن بالتحرك مجددا في وجه هذه الجهود لإنقاذ البلاد والعباد من وهدة الانقلاب.
أعرف أن حوارات كثيرة تمت في هذا الإطار، وأن بعضها لا يزال مستمرا بهدف إنجاز وثيقة وطنية جامعة تكون أساسا لبناء جبهة وطنية ثورية جامعة تضم كل أطياف الثورة المصرية، لكن الخوف من مثيري الفتن هو ما يؤجل إعلانها المرة تلو المرة، ومع كل تأجيل تخسر الثورة نقاطا جديدة، ويتساقط المزيد من الشهداء والضحايا بلا مقابل، ويستمر نزيف الوطن وتزداد معاناة الفقراء والبسطاء مع جنون الأسعار، وتغول رجال الشرطة، وعسكرة الحياة المدنية والاقتصادية.
إن التغييرات التي تجري عبر الإقليم من تسويات سياسية ومصالحات بين حكومات متصارعة تمثل عنصرا جديدا ضاغطا على قوى الثورة المصرية الحقيقية للتحرك صوب خطة إنقاذ عاجلة حتى لا تتم تلك التسويات والمصالحات على حساب الثورة المصرية وحق المصريين في حياة ديمقراطية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، إذ إنها لو استمرت حالة التشرزم الحالية فلا نلومن إلا أنفسنا.
إن بناء جبهة وطنية جامعة لا يعني مشاركة جميع الأحزاب السياسية والحركات الثورية ولكنه يعني الوصول إلى أكبر تمثيل ممكن، لمن يوافق على وثيقة العمل الوطني والثوري، وهو ما عبرت عنه في مقال سابق بـ"الاصطفاف بمن حضر"، وإذا كانت هناك ثمة مشاريع جاهزة لتحقيق هذا الغرض فإن أصحابها مدعوون للمسارعة بإعلانها حتى يتبين للجميع الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وحتى يعرف الجميع من يناصر الثورة ومن يناصبها العداء، ومن يسعى لإنقاذ الوطن ومن يسعى لذبحه وتقطيع أوصاله وبيعه قطعة قطعة.
أضف تعليقك