لم يعد في جعبة الانقلاب ومن تربوا في مكاتب مخابراته الحربية وأمن الدولة، إلا بعض عمائم تلبسها على جهل، يقف في مقدمة صفوف هذه المدرسة المخابراتية علي جمعة، وصبيه أسامة المخابراتي (الأزهري)، وآخر تقاليعهم التي تدل على جهلهم المطبق ادعاؤهم أن حسن البنا لم يكن عالما ولا فقيها صاحب رؤية فقهية، ولا عالما بمقاصد الشريعة، وهو أمر يلبَّس به على الناس لعدم درايتها بكتابات حسن البنا، ومثل هذا القول لا ينطلق من شخص قرأ – على الأقل – مجموع الرسائل للبنا، بل لم يقرأ رسالة (التعاليم) للبنا، والتي كتبها وعمره لا يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره، والتي تدل صياغتها، ودقة عباراتها أصوليا وعلميا، على عالم كبير له باع طويل في العلم، فضلا عن قراءة بقية تراثه لمن يزعم دراسة شخصية عظيمة بحجم وأثر حسن البنا، والذي ظللت سنوات طوال أجمع تراثه الذي بلغ (1300) مقال غير مجموع، قمت بإخراج أربعة أجزاء منه، ويخرج في حوالي (16) مجلدا كبار، وأخرجهم الأستاذ جمعة أمين رحمه الله ومعاونوه في (14) مجلدا، فيه مجلد ضخم وحده عن فتاوى
حسن البنا وبحوثه الفقهية!
والمتأمل في صياغة الأصول العشرين في رسالة التعاليم، سيجد صدق ما نقول، من أن البنا كان عالما موفقا، وأصوليا مدققا يحسن وضع كل كلمة في موضعها، ويزن كل أموره بميزان الشرع، ومن ذلك مثلا: قوله في الأصل السابع من الأصول العشرين: (ولكل مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام الفرعية أن يتبع إماما من أئمة الدين)، فقد قال: (ولكل) ولم يقل: (وعلى كل)، وهناك فرق كبير بينهما، لو لم يكن الرجل أصوليا فقيها، ما صاغها بهذا الشكل، فلكل أي يجوز لكل مسلم أن يتبع مذهبا من المذاهب الأربعة أو غيرها، أما لو قال: وعلى كل مسلم، لكان معناها: يجب على كل مسلم، ومعلوم اختلاف علماء الأصول في تقليد المذاهب والراجح الجواز، وقال: أن يتبع، ولم يقل يقلد، لأن الاتباع عبارة قرآنية يقول تعالى على لسان نبي الله موسى: (هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا)، والتقليد وردت عباراته في القرآن والسنة مذمومة.
أما الأصل التاسع من الأصول العشرين ويقول فيه: (وكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه شرعا... الخ)، فهذا الأصل منقول بنصه من قلب كتاب (الموافقات) للإمام الشاطبي، وهو أعظم كتاب في مقاصد الشريعة، أي أن حسن البنا كان متقنا للموافقات، في الوقت الذي كان لا يقرأ في الموافقات للشاطبي إلا القليل النادر من علماء الأزهر آنذاك!! ومن يقرأ شروح فقيه كبير هو العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في شروحه للأصول العشرين، وتأملاته في العبارات ومدلولاتها الأصولية والفقهية يعرف ذلك، وقد كتب أحد علماء الشريعة كتابا عن (مقاصد الشريعة عند حسن البنا) وهو الدكتور رجب أبو مليح، في كتاب يقترب من الخمسمائة صفحة.
أما ما لا يعرفه شيخ المخابرات الحربية (علي جمعة) وصبيه، فهو أن هذه الأصول العشرين، كتبها حسن البنا في أكتوبر سنة 1942م، وقد أرسلها للعلماء جميعا، وعلى رأسهم شيخ الأزهر، ولقيت ترحيبا وإعجابا من أكثرهم، فقد كتبها لتكون دستورا ثقافيا يعبر عن مواضع الاتفاق بين العاملين للإسلام، وقد كتب من قبل شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي تصديرا مهما لمجلة (المنار)، وقد عهد ورثة العلامة المجدد الشيخ محمد رشيد رضا بعد وفاته، للشيخ حسن البنا ليتولى إصدار مجلة المنار، التي كانت مصدر ثقافة وتعليم للعالم الإسلامي، فكتب شيخ الأزهر يثني على حسن البنا، ويستبشر خيرا بهذا العالم الذي تولى أمر المجلة العظيمة، وذلك سنة 1939م قد كان عمر البنا (32) عاما فقط، والذي ربما لو عهد إلى شيوخ المخابرات الحربية بمجلة حائط لفشلوا في إصدارها فشلا ذريعا، فهناك فرق كبير من يسهر لكتابة البحوث العلمية، وبين من يسهر لكتابة التقارير الأمنية.
وعندما صنف العلامة المرحوم أحمد عبد الرحمن البنا والد الإمام البنا، والشهير بالساعاتي كتاب (الفتح الرباني) وهو ترتيب لمسند الإمام أحمد على الأبواب الفقهية، كتب في مقدمة الجزء الأول، أنه كان قد خطط أن يكتب مقدمة ضافية في مجلد كامل تعريفا بالإمام أحمد بن حنبل، ولم يسعفه الوقت لذلك، يقول: فعهدت بذلك إلى نجلي حسن، وهو أهل لذلك. فكيف سيعهد عالم كبير بكتابة جزء مهم من كتابه لشاب لا يكتب ما يرضى عنه العلماء؟!!
ومن قرأ كتاب (فقه السنة) للعلامة الشيخ سيد سابق، سيجد أن أول مباحث الكتاب مشى فيها على خطى ما كتبه حسن البنا سنة 1934م في مجلة جريدة الإخوان الأسبوعية، تحت باب الفقه، وهي مجلة تولى فيها كتابة التفسير والفقه والعقيدة حسن البنا، وكان مدير التحرير محب الدين الخطيب، ورئيس التحرير العلامة الكبير طنطاوي جوهري، كان يكتب حسن البنا في الأسبوع الواحد ما يقرب من أربع مقالات منهجية، يعجز شيوخ الانقلاب عن قراءتها فضلا عن كتابتها.
أما عن حسن البنا المفسر للقرآن الكريم، فكان يكفي هؤلاء العودة لرسالة ماجستير نوقشت في كلية أصول الدين عن جهود حسن البنا في التفسير، وطبعت منذ سنوات، ولو رحت أحصي ما كتب عن علم حسن البنا في المجالات الإسلامية لاحتجت إلى مقالات طويلة، ولو لم يكن للرجل من فضل إلا أنه أسس جماعة أقضت مضاجع أعداء الأمة عسكريا وثقافيا وعمليا لكفاه رحمه الله، وأكثر في الأمة من أمثاله.
أما الحديث عن سرقات وجهل عمائم الانقلاب بداية من علي جمعة وانتهاء بشوقي علام، مرورا بصبي علي جمعة أسامة المخابراتي، فله حديث آخر يطول.
أضف تعليقك