لا يوجد أي قانون أو دستور في أي دولة من دول العالم يعطي شرعية لأي عمل انقلابي، وعلى العكس تمامًا فإن قوانين ودساتير دول العالم كله تجرم الانقلابات وتعاقب عليها بالنظر للانتهاكات والجرائم التي ترتكب أثناء الانقلابات.
ما حدث في تركيا منذ عدة أيام من محاولة انقلاب على رئيس منتخب وحكومة برلمانية يدل بصورة قطعية أن الانقلابيين لا يحترمون الدستور ولا القانون ولا الحريات العامة ولا الديمقراطية.
والسؤال الأهم كيف تواجه الدولة بمفهوم الدستور والقانون تداعيات الانقلاب؟ أي كيف تواجه مؤسسات الحكم من قضاء ومحاكم وجيش وشرطة نتائج هذا العمل العسكري الذي أدى إلى قتل مئات الأشخاص ومحاولات قتل رئيس الجمهورية وعدد ومن السياسيين ومحاولات تهديم البنى الأساسية للدستور؟!
لا بد للحكومة التركية الحالية أن تعمل على استرداد كل متهم فار بمحاولة الانقلاب، وهذه المحاولة يوصفها القانون التركي أنها عمل إرهابي، إذ استعملت فيه الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتفجرات والطائرات وكان يهدف إلى القضاء ليس على الدستور والقانون فقط بل القضاء على كل من ينتمي لحزب العدالة والتنمية التركي الذي يملك الأكثرية البرلمانية، ووضع أعضاء الحكومة والبرلمان في السجن أو تصفيتهم، وهذه الأفعال الإجرامية التي تمت المحاولة لارتكابها تهدف إلى القضاء على جماعة سياسية معينة بهدف سياسي، ومن ثم فإن محاولة الانقلاب التي فشلت تصنف من ضمن الجرائم ضد الإنسانية والتي تعتبر من أخطر الجرائم على المجتمع الدولي والمجتمع التركي بالتحديد.
١- أولاً: فيما يتعلق باسترداد كل المتورطين بهذا العمل الإرهابي
على الحكومة التركية الطلب من كل دول العالم تسليمها كل الفارين والمتورطين بهذا العمل الإرهابي وبالأخص الضباط الذين فروا إلى اليونان، وكذلك فتح الله غولن الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى هذه الدول قبول طلب الاسترداد وتسليم الفارين باعتبار أن قوانين الانتربول الدولي توجب تسليم أي مواطن لدولته إذا طلبت استرداده، وكما إن الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب والقوانين الدولية توجب على الولايات المتحدة الأمريكية تسليم فتح الله غولن المتهم بتأليف عصابة صنفها البرلمان والحكومة التركية أنها عصابة ارهابية، إضافة لاتهامه بالمشاركة بالتخطيط للانقلاب الإرهابي الذي تم.
ومن هنا من واجب الولايات المتحدة الأمريكية إذا كانت جادة في محاربة الإرهاب عليها أن تتعاون مع حكومة أنقرة لتسليم الفارين، لاستكمال التحقيقات ومحاكمة الإرهابيين ولوضع حد لحالات الإرهاب التي تضرب العالم كله.
فالإرهاب هو مفهوم واحد قائم على القتل والخطف والتفجير و... ومن ثم لا يمكن السكوت عن إرهاب هنا ومحاربة إرهاب هناك.
٢- ثانيًا: إن عمليات التوقيف التي تقوم بها الحكومة التركية للضالعين في أعمال محاولة الانقلاب يجب أن تستمر لتطال كل المجرمين والمخالفين ومن يدعمون الإرهاب، ضمن الأطر القانونية التي توجب معاقبة كل المجرمين ومحاكمتهم مهما بلغ عددهم؛ لأن هؤلاء المجرمين إذا بقوا فارين من العدالة فإنهم سيشكلون خلايا إرهابية ستستمر في ارتكاب الإرهاب في تركيا.
أما اعتراض بعض الدول والمنظمات على ارتفاع أعداد المعتقلين فهو اعتراض سياسي وليس قانونيا، وعلى الحكومة التركية ألا تأبه له، فتلك الدول والمنظمات لها أجنداتها الخاصة، وهي تهدف إلى عرقلة بناء الدولة التركية القوية القائمة على الحريات والمساواة والديمقراطية.. والعجب العجاب ألا نرى اعتراض تلك الدول على آلاف المعتقلين في سوريا والعراق ومصر، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية اعتقلت الآلاف بعد أحداث ١١ سبتمبر دون أدلة، وبقوا سنوات دون محاكمات عادلة، ومنهم مات في السجون ومنهم ما زال حتى هذه اللحظة في سجون غوانتنامو وغيرها من السجون السرية.
كما إن فرنسا بعد أحداث التفجيرات فيها أعلنت حالة الطوارئ، وعطلت العمل بالدستور والقوانين، وأصبح الاعتقال يتم دون مسوغ قانوني من أجل وضع حد للإرهاب! فلماذا تلك الدول بالذات لا تقبل لتركيا بما قامت هي به؟؟ علمًا أن كل المسؤولين الأتراك يقولون إن المحاكمات ستتم وفق الأصول القانونية.
إن مجمل من اعتقلتهم الحكومة التركية حتى هذه اللحظة لا يتجاوزون الثمانية آلاف معتقل، بينما اعتقل الجنرال التركي كنعان في انقلاب علم ١٩٨٠م أكثر من ثمانمائة وثمانون ألف شخص، ونفى ثلاثين ألفًا، وأعدم خمسمائة وسبعة عشر شخصًا.
٣- إن أعداد القتلى التي خلفها الانقلاب ونتائجه السيئة والخطيرة التي أصابت تركيا واقتصادها وأمنها وبنيتها السياسية والعسكرية والمدنية وما خطط له الانقلابيون كان سيؤدي إلى سحق المواطن التركي والعودة به إلى حكم العسكر القائم على الذل والضرب والتعذيب.
كما إن الاقتصاد التركي كان سيتراجع بطريقة يعود فيها المواطن التركي إلى زمن العوز والفقر والذل والحاجة.
٤- إن محاولة الانقلاب التركي هذه المرة تمت بمشاركة عدة أجهزة استخباراتية عالمية ودعمتها دول، ومن ثم فإن عقوبة الانقلابيين يجب أن تضاعف؛ لأنهم رهنوا أنفسهم للخارج وليس لشعب تركيا.
٥- إن الانقلاب هو عمل إرهابي كبير، ومن ثم فإن دول العالم والأمم المتحدة مدعوة إلى مساعدة الحكومة التركية على القضاء على ذلك الإرهاب، التزامًا بالقوانين الدولية وقرارات ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدعو إلى مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره.
إن أخطار الانقلاب لو نحج كانت ستكون كارثية على كل مكونات الشعب التركي، وكانت ستصيب كل دول المنطقة والجوار، ولذلك على الحكومة التركية فضح نوايا الانقلابيين وخططهم الجهنمية التي كانت ستقضي على أمل وحلم الأتراك وأولادهم وأحفادهم بالعيش في حرية وسلام وبحبوحة وديمقراطية.
أضف تعليقك