• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانيتين

بعد انقلاب تركيا الأخير، ورغم أنه فى خلال سويعات قليلة ُزف الخبر السعيد للشعب والمهتمين مبشرا بأن المحاولة التعيسة باءت بالفشل، إلا أننى لم أفرح ولم أسعد ولم أهنأ بلحظة نوم واحدة تلك الليلة، وقد بتُّ يعترينى همُّ الإجابة على تساؤل ظل يطاردنى ليلتى تلك، فإذا كان جيش الدولة الصاعدة فى ديمقراطيتها واقتصادها ينقلب على الوطن ومواطنيه ومكتسباتهم الديمقراطية فى لحظة.. فمن إذن يحرس الديمقراطية فى بلادنا؟.

لم يكن سؤالى هذا وليد الحدث المفجع، وإنما كان استفهاما يسكننى منذ أربع سنوات من الجهود الحثيثة لإجهاض الربيع العربي، والانقضاض على براعم الديمقراطية الوليدة فى بلادنا، خاصة مصر التى بدا انقلابها نموذجا ناجحا بالنسبة للمتربصين بفكرة الثورة والتعددية الحقيقية والديمقراطية.

عاد التساؤل أكثر إلحاحا عقب تعرض الديمقراطية التركية لتلك الهزة العنيفة، ورغم أن هذا الانقلاب قد فشل فى السيطرة على الحكم، إلا أنه لم يفشل فى زرع المخاوف لديَّ ولدى الشعب التركى ولدى الحالمين بنموذج الديمقراطية التركية، التى أسعدت بثمارها الحبيب وأغاظت العدو، الذى دأب عقودا طويلة على زرع عقيدة مفادها أن العجز حصرى ولازم فى الشخصية الإسلامية مهما أوتيت من ديمقراطية.

الانقلاب الفاشل ربما يكون قد فشل عسكريا وجماهيريا وسياسيا، لكنه لا شك نجح فى بقاء سؤالنا أكثر إلحاحا الآن، وربما أكثر من أى وقت مضى، فتركيا التى سبق ربيعها الربيع العربى بقرابة عشر سنوات، حتى هُيئ للرائى أن الديمقراطية بها استقرت وباتت فى حراسة التوافق المجتمعى والمؤسساتى، كنتيجة للمكتسبات الاقتصادية والسياسية التى حقتتها الديمقراطية، والتى بدت مستقرة إلى حد ما، فها هي وكل ما حققته فى مهب انقلاب عسكرى دموى فاشى.

لقد كان الانقلاب صدمة للشعب التركى والدولة التركية بكافة مؤسساتها وتفريعاتها وتركيباتها السياسية والفكرية، إذ لم يكن أحدهم يتخيل أن يتخلى الجيش عن دوره فى حماية الديمقراطية أو حتى حماية الوطن والمواطنين، فيشن انقلابا دمويا هو الأول من نوعه فى تاريخ تركيا، التى عهدت من المؤسسة العسكرية انقلابات جزئية كانت فى العادة لإزاحة فصيل بعينه، ثم تسليم العملية الديمقراطية للمجتمع، ليعيد اختياره بدون هذا الفصيل.

لكن هذه المرة بدا انقلاب تركيا دمويا وعدوانيا وشاملا على الدولة المدنية، إذ وضح أنه لم يأت فى مهمة جزئية وسريعة ثم سيرحل كالسابق تاركا الساحة للمدنيين، وإنما جاء كاسحا ماحقا كافرا بالديمقراطية والحكم المدنى والشعب وربما الوطن، وبدا أنه جاء محاكيا ومحتذيا النموذج الانقلابي المصرى، ومقتنعا بنتائجه الدموية، وراضيا عما أفرزه من استئثار العسكر بمقدرات الدولة المصرية كاملة، دونما شراكة مع سياسيين مدنيين.

لقد جاوب الأتراك على جزء مهم من سؤالى، بنزولهم الشارع واعتراضهم بصدورهم العارية الدبابات الماضية فى عزمها على نسف الحلم الديمقراطى، موضحين أن الشعب قادر وبقوة على أن يحمى مكتسباته الديمقراطية بالوعى واليقظة والاستعداد العالى للتضحية، وقد قدموا النموذج للتضحية بنومهم أمام الدبابات، باعثين برسالة للمنقلب، مفادها أن الوصول لجسد الديمقراطية لن يكون إلا على جثثهم!، وبادرتنا أيضا الأحزاب التركية ووسائل إعلامها بالإجابة على سؤالنا الحائر أو الخائف، حين وقفت عشية الانقلاب متجاوزة اختلافاتها وعدواتها، متوحدة على قرار واحد، وهو أنه لا عودة للخلف قيد أنملة، متجاوزين أحلام وأمنيات الأحزاب المصرية، التى ظنت ببلاهة أن حدئة العسكر قد تغير طبعها يوما، وترمى للمتواطئين معها "كتاكيت" أو مكاسب سياسية!.

تبقى هناك أشياء أخرى تعمل على حسب موضع كل منها، وفعاليتها على كفالة الحماية للمكتسب الديمقراطى، منها الدستور ومدى التوافق المجتمعى الحقيقى عليه، والإيمان به والاحترام له، ومنها قوة المنظومة القانونية وعراقتها وتماسكها واستقلاليتها وإيمانها واحترامها للدولة والشعب، ولا شك أن الدعم الدولى والإقليمى للسلطة السياسية، التى هى ثمرة من ثمرات العملية الديمقراطية، يلعبان دورا فى توفير جزء من تلك الحماية المرجوة.

لكن ستظل هناك عوامل أخرى قد تتقدم وقد تتأخر فى منظومة الحماية اللازمة للعملية الديمقراطية، لعل من أهمها وأخطرها القوة العسكرية سواء الداخلية أو الخارجية، ولعل هذا هو العنصر الأخطر فى منظومة الحماية، خاصة وأن تاريخ الانقلابات فى دولنا العربية أو الإسلامية أو حتى فى أمريكا اللاتينية، يؤكد أن الديمقراطية غالبا ما تصاب فى مقتل من تلك الثغرة، التى تحتاج إلى نقاش وبحث لمعرفة مصدر الداء بها وسبل العلاج؛ لأنه مهما أوتى المجتمع من قوة لحماية ديمقراطيته، ستظل تلك الديمقراطية فى مهب الريح ما لم نؤمن هذه الثغرة.

 

 

 

 

أضف تعليقك