منذ ثانية واحدة
يتحدث غالبية رافضي الاصطفاف الثوري في مصر وكأن الاصطفاف رفاهية من الممكن رفضها أو التحفظ عليها أو حتى تأجيلها إلى حين ميسرة ثورية، وهم بذلك يتجاهلون كيف انكمش حراك الشارع الثوري داخل مصر، وكيف تغيرت خريطة الحلفاء والأعداء للثورة وللنظام على المستوى الدولي والإقليمي.
رافضو الاصطفاف -من خلال الاحتكاك بهم- يعيشون في عزلة، يتحدثون مع أنفسهم، يتساءلون عن معنى المصطلح دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة ذلك عند من يدعو إليه، يفترضون المعاني التي هي أسوأ للكلمة، تهيئ لبعضهم أوهامهم أن الدعوة لتوحد الثوار دعوة خبيثة يقف خلفها أجهزة تخابر "سيسي"، الموساد والسي آي إيه، القوى الإمبريالية الدولية، وحين يطالبهم أحد بدليل على ذلك لا نسمع إلا صمتا، وحين يرون أن الدعوة تأتي على ألسنة رموز وطنية لها تاريخها، يضطرون إلى مغالطة ضمائرهم، وارتكاب خطيئة تخوين الشرفاء، فيهدمون بذلك مبادئ راسخة، ويخسرون أنصارا حقيقيين، ويهدون خصومهم هدايا مجانية لا تقدر بثمن.
يخاف "سيسي" ونظامه من كلمتين (الاصطفاف)، و(الثورة)، وقد حاول أن يسطو على الكلمتين، فأصبح للنظام ثورته المزعومة، وهو دائما يدعونا إلى الاصطفاف خلفه كي لا تنهار الدولة، وللأسف ... نرى من مقاومي الانقلاب من يكرر الحديث عن (فشل ثورة يناير) في كل مناسبة، وبلا مناسبة، وكأن الله خلقه لزرع الإحباط في النفوس، ونرى كذلك من يسفه قيمة (الاصطفاف)، ونراه ينظر لبقاء هذا النظام لسنوات، فنرى البعض يتحدث عن (عشرية الانقلاب) بلا دليل يقنع، وكأنه يمهد أو يبرر سوء الأداء والفشل في إدارة المعركة، وفي الحالين يستفيد السادة الضباط الجالسون في مكاتبهم، يشربون أقداح النصر ويضحكون منا وهم يحركون لجانهم الإلكترونية لتزرع مزيدا من بذور الشقاق، ومزيدا من العملاء بيننا في مصر وخارج مصر.
لقد تكونت بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 كيانات كثيرة في داخل مصر وخارجها، وتصدر العمل السياسي والثوري أفراد ومجموعات عملت وبذلت ما في وسعها، ولهم كل الشكر والتقدير، ولكن النتائج في عمومها كانت لا ترقى إلى حجم التضحيات.
إن ما قدمه شباب مصر في الجامعات والشوارع والمصانع، في المدن والقرى والنجوع، في العاصمة والضواحي وأطراف البلاد.. كل هذه التضحيات كانت تكفي لإسقاط مائة "سيسي"!
لقد سقط آلاف الشهداء، واعتقل مئات الآلاف، وابتلي مئات الآلاف في أنفسهم وأموالهم، سجنوا، شردوا، نفوا من الأرض، وذاقوا الويلات ... وظلت النتائج شديدة التواضع أمام حجم التضحيات.
من أدار المعركة لم يحسن توظيف الكفاءات، ولم يتمكن من استثمار أخطاء الخصم، ولم يحسن بناء التحالفات في الداخل والخارج، ولم يتمكن من صياغة خطاب سياسي عاقل، وكانت النتيجة أننا وصلنا بعد ثلاثة سنوات من الانقلاب إلى نقطة حرجة، فحراك الشارع يلفظ أنفاسه الأخيرة، إذ لا أحد في مصر يريد أن يتحرك دون وجود رؤية أو مشروع أو بصيص أمل يمنح الناس ثقة في أن دماءهم لن تضيع هدرا أمام رصاصات الشرطة والجيش.
والحلفاء الدوليون والإقليميون على وشك التخلي عن دعم الثورة المصرية، وأصبح الملف المصري عبئا عليهم في ضوء الأداء السيئ.
كل ذلك يحدث في الوقت الذي يعاني فيه نظام "سيسي" داخليا وخارجيا، فنحن أمام نظام ضعيف، بلا أي ظهير شعبي، وحلفاؤه الدوليون (هو الآخر ويا للمفارقة) يرونه عبئا كبيرا، ولكنهم لا يجدون أي مشروع أو بديل مقبول يدفعهم للمخاطرة بالاستغناء عن هذا النظام.
إن الوضع اليوم (داخليا وخارجيا) من الممكن أن يصبح في صالح الثورة لو أحسنا إدارة أنفسنا، نستطيع أن نجمع الشعب المصري على مشروع وطني، ونستطيع أن نحاصر الانقلاب في الخارج أيضا بتقديم بديل في شكل معارضة متحدة، وبمطاردة رموزه بتوثيق جرائمه التي تستعصي على الحصر.
للأسف الشديد يتحرك معارضو الاصطفاف اليوم بكل نشاط لقتل أي دعوة أو محاولة لتغيير هذه المعادلة، وأصبحت جهودهم موجهة للنيل من زملائهم ورفقائهم الداعين لإنهاء حكم العسكر، بدلا من وضع طاقاتهم في مقاومة الانقلاب.
لقد فقدت الثورة المصرية زخمها، وفقدت حلفاءها في الخارج (راجع مواقف الدول الحليفة في الشهور والأسابيع الأخيرة)، وأصبح توحد الثوار وإعادة الزخم الثوري واجبا، ولكن زملاءنا الذين أوصلونا إلى هذه النتائج ما زالوا مصرين على تصدر العمل، وعلى منع غيرهم من إضافة أي جديد نافع.
نحن لا نقول لهم انصرفوا، ولا نتهمهم في ذممهم، ولا في وطنيتهم (كما يفعل بعضهم معنا)، بل غاية ما في الأمر أننا نطالبهم بوضع طاقاتهم في مقاومة الاستبداد لا في مهاجمة مقاومي الانقلاب الذين قد يختلفون معهم في مسائل فرعية.
لقد خلق الله الناس مختلفين، ومحاولة إجبار الجميع على الاتفاق على أمور خلافية باستخدام أسلحة مبتذلة كالصوت العالي، والتخوين، وتسليط السفهاء ... كل ذلك لن يجدي، ولن يمنع شرفاء الأمة من العمل من أجل إنقاذ الثورة المصرية، ومن أجل إنقاذ مصر كلها من أخطار وجودية لم تتعرض لها طوال تاريخها الطويل.
أقول لكل من يظن أنه يحوز الحق المطلق، ولكل من يظن أن أفكاره وتصوراته لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولكل من يعتقد أن الثورة المصرية ملك خاص له أو لكيانه أيا كان : (تواضعوا قليلا، وتعاونوا مع من يقاوم الانقلاب حتى إذا اختلف معكم ... افعلوا ذلك الآن، قبل أن يأتي علينا زمان لا نملك فيه إلا الندم)!
الاصطفاف ضرورة.. وهي تزداد كل يوم بسبب سوء إدارة واضح من جانب مقاومي الانقلاب.. الاصطفاف الثوري ليس رفاهية.. فلنتحرك قبل فوات الأوان!
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: [email protected]
رافضو الاصطفاف -من خلال الاحتكاك بهم- يعيشون في عزلة، يتحدثون مع أنفسهم، يتساءلون عن معنى المصطلح دون أن يكلفوا أنفسهم عناء قراءة ذلك عند من يدعو إليه، يفترضون المعاني التي هي أسوأ للكلمة، تهيئ لبعضهم أوهامهم أن الدعوة لتوحد الثوار دعوة خبيثة يقف خلفها أجهزة تخابر "سيسي"، الموساد والسي آي إيه، القوى الإمبريالية الدولية، وحين يطالبهم أحد بدليل على ذلك لا نسمع إلا صمتا، وحين يرون أن الدعوة تأتي على ألسنة رموز وطنية لها تاريخها، يضطرون إلى مغالطة ضمائرهم، وارتكاب خطيئة تخوين الشرفاء، فيهدمون بذلك مبادئ راسخة، ويخسرون أنصارا حقيقيين، ويهدون خصومهم هدايا مجانية لا تقدر بثمن.
يخاف "سيسي" ونظامه من كلمتين (الاصطفاف)، و(الثورة)، وقد حاول أن يسطو على الكلمتين، فأصبح للنظام ثورته المزعومة، وهو دائما يدعونا إلى الاصطفاف خلفه كي لا تنهار الدولة، وللأسف ... نرى من مقاومي الانقلاب من يكرر الحديث عن (فشل ثورة يناير) في كل مناسبة، وبلا مناسبة، وكأن الله خلقه لزرع الإحباط في النفوس، ونرى كذلك من يسفه قيمة (الاصطفاف)، ونراه ينظر لبقاء هذا النظام لسنوات، فنرى البعض يتحدث عن (عشرية الانقلاب) بلا دليل يقنع، وكأنه يمهد أو يبرر سوء الأداء والفشل في إدارة المعركة، وفي الحالين يستفيد السادة الضباط الجالسون في مكاتبهم، يشربون أقداح النصر ويضحكون منا وهم يحركون لجانهم الإلكترونية لتزرع مزيدا من بذور الشقاق، ومزيدا من العملاء بيننا في مصر وخارج مصر.
لقد تكونت بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 كيانات كثيرة في داخل مصر وخارجها، وتصدر العمل السياسي والثوري أفراد ومجموعات عملت وبذلت ما في وسعها، ولهم كل الشكر والتقدير، ولكن النتائج في عمومها كانت لا ترقى إلى حجم التضحيات.
إن ما قدمه شباب مصر في الجامعات والشوارع والمصانع، في المدن والقرى والنجوع، في العاصمة والضواحي وأطراف البلاد.. كل هذه التضحيات كانت تكفي لإسقاط مائة "سيسي"!
لقد سقط آلاف الشهداء، واعتقل مئات الآلاف، وابتلي مئات الآلاف في أنفسهم وأموالهم، سجنوا، شردوا، نفوا من الأرض، وذاقوا الويلات ... وظلت النتائج شديدة التواضع أمام حجم التضحيات.
من أدار المعركة لم يحسن توظيف الكفاءات، ولم يتمكن من استثمار أخطاء الخصم، ولم يحسن بناء التحالفات في الداخل والخارج، ولم يتمكن من صياغة خطاب سياسي عاقل، وكانت النتيجة أننا وصلنا بعد ثلاثة سنوات من الانقلاب إلى نقطة حرجة، فحراك الشارع يلفظ أنفاسه الأخيرة، إذ لا أحد في مصر يريد أن يتحرك دون وجود رؤية أو مشروع أو بصيص أمل يمنح الناس ثقة في أن دماءهم لن تضيع هدرا أمام رصاصات الشرطة والجيش.
والحلفاء الدوليون والإقليميون على وشك التخلي عن دعم الثورة المصرية، وأصبح الملف المصري عبئا عليهم في ضوء الأداء السيئ.
كل ذلك يحدث في الوقت الذي يعاني فيه نظام "سيسي" داخليا وخارجيا، فنحن أمام نظام ضعيف، بلا أي ظهير شعبي، وحلفاؤه الدوليون (هو الآخر ويا للمفارقة) يرونه عبئا كبيرا، ولكنهم لا يجدون أي مشروع أو بديل مقبول يدفعهم للمخاطرة بالاستغناء عن هذا النظام.
إن الوضع اليوم (داخليا وخارجيا) من الممكن أن يصبح في صالح الثورة لو أحسنا إدارة أنفسنا، نستطيع أن نجمع الشعب المصري على مشروع وطني، ونستطيع أن نحاصر الانقلاب في الخارج أيضا بتقديم بديل في شكل معارضة متحدة، وبمطاردة رموزه بتوثيق جرائمه التي تستعصي على الحصر.
للأسف الشديد يتحرك معارضو الاصطفاف اليوم بكل نشاط لقتل أي دعوة أو محاولة لتغيير هذه المعادلة، وأصبحت جهودهم موجهة للنيل من زملائهم ورفقائهم الداعين لإنهاء حكم العسكر، بدلا من وضع طاقاتهم في مقاومة الانقلاب.
لقد فقدت الثورة المصرية زخمها، وفقدت حلفاءها في الخارج (راجع مواقف الدول الحليفة في الشهور والأسابيع الأخيرة)، وأصبح توحد الثوار وإعادة الزخم الثوري واجبا، ولكن زملاءنا الذين أوصلونا إلى هذه النتائج ما زالوا مصرين على تصدر العمل، وعلى منع غيرهم من إضافة أي جديد نافع.
نحن لا نقول لهم انصرفوا، ولا نتهمهم في ذممهم، ولا في وطنيتهم (كما يفعل بعضهم معنا)، بل غاية ما في الأمر أننا نطالبهم بوضع طاقاتهم في مقاومة الاستبداد لا في مهاجمة مقاومي الانقلاب الذين قد يختلفون معهم في مسائل فرعية.
لقد خلق الله الناس مختلفين، ومحاولة إجبار الجميع على الاتفاق على أمور خلافية باستخدام أسلحة مبتذلة كالصوت العالي، والتخوين، وتسليط السفهاء ... كل ذلك لن يجدي، ولن يمنع شرفاء الأمة من العمل من أجل إنقاذ الثورة المصرية، ومن أجل إنقاذ مصر كلها من أخطار وجودية لم تتعرض لها طوال تاريخها الطويل.
أقول لكل من يظن أنه يحوز الحق المطلق، ولكل من يظن أن أفكاره وتصوراته لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولكل من يعتقد أن الثورة المصرية ملك خاص له أو لكيانه أيا كان : (تواضعوا قليلا، وتعاونوا مع من يقاوم الانقلاب حتى إذا اختلف معكم ... افعلوا ذلك الآن، قبل أن يأتي علينا زمان لا نملك فيه إلا الندم)!
الاصطفاف ضرورة.. وهي تزداد كل يوم بسبب سوء إدارة واضح من جانب مقاومي الانقلاب.. الاصطفاف الثوري ليس رفاهية.. فلنتحرك قبل فوات الأوان!
موقع إلكتروني: www.arahman.net
بريد إلكتروني: [email protected]
أضف تعليقك