كشف الانقلاب العسكرى التركى الفاشل مزيدًا من المؤامرات على الإسلام السنى، وأكد -بما لا يدع مجالا للشك- أن العرب ليسوا وحدهم هم المستهدفين، باعتبار الشوكة الصهيونية المنغرسة فى ظهورهم، بل المستهدف بالأساس هو الإسلام والمسلمون، وأن هناك حربًا كونية لاستئصال أى مشروع سياسى إسلامى قبل ولادته، عربيًا كان أو غير عربى، وانكشفت -للأسف- عروش عربية شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر فى تلك الحرب؛ حرصًا على ممالكها، وإذعانًا لأوامر الغرب.
لم يوجد مبرر واحد للانقلاب على أردوغان وحزبه، فهم اختيار الشعب، ثم إن هذا الحزب وكوادره قد نقل البلاد نقلة حضارية يُضرب بها المثل في نظافة اليد والوطنية الشريفة ومهارة الإدارة، حتى انتقلت تركيا من مركز اقتصادى متأخر، الحادى عشر بعد المائة، إلى مرتبة النمور الاقتصادية، وحتى صار لها كلمة ورأى فى المحفل الدولى، وحتى صار لها ذراع عسكرية ضاربة تحمى بها حدود أرضها، وتهدد بها من يستبيح حرماتها... فهل بعد ذلك كله يجوز الانقلاب على نظام مثل هذا؟
إن صور ومشاهد اعتداءات الشعب التركى على العسكر الخونة، تؤكد أن هناك صراعًا سياسيًا وعقديًا بين مواطنى هذه الدولة وجيشها الذى ربى على مبادئ وقيم العلمانية القذرة، والذى بذلت جهود جبارة على مدى عقود لكى يحافظ هذا الجيش على تلك القيم، بتحريم دخوله على ذوى الميول الإسلامية، وبـ(تطهيره) طوال الوقت من أى عناصر لا تدين بالولاء للمقبور (أتاتورك) الذى فعل كل ما بوسعه لانتزاع الإسلام من صدور الأتراك...
وإذا كان الصراع بين الشعب التركى وجيشه قد حسم لصالح الأخير فيما مضى، أى ما قبل تسعينيات القرن الماضى، فإن المواطنين الأتراك قد شرعوا فى إحداث توازن قوى منذ تولى العدالة والتنمية مقاليد السلطة، أى منذ ما يزيد على عشر سنوات، ثم فى السعى لحسم هذا الصراع لصالح الشعب، كما رأينا فى ردة الفعل الشعبية على من قاموا بالانقلاب الأخير، فقد وضعت الحشود التركية النقاط على الحروف فى خلال ساعات معدودة، وتصدت للغازى المحلى كما لو كانت تتصدى لمحتل أجنبى، فأوقفت زحف الدبابات بالمتاريس والسيارات وصدور الرجال، ثم أخرجت من كان فيها قهرًا وأشبعتهم ضربًا وتنكيلا ولسان حال الجماهير يقول: انتهى زمن الانقلابات العسكرية، وانتهت معه مظاهر الفقر والعوز، والتبعية والتخلف..
ولما كان الغبار قد انجلى -تقريبًا- عن الساحة التركية، ووضحت أمورها فالدرس إلزامى للشعوب العربية، وليس للحكام بالطبع، ما يجعل الجهد أصعب والمسؤليات جسامًا، ففى الحالة التركية الحاكم مخلص لشعبه، والشعب متضامن معه، فلما ظهر الخطر اتحد الاثنان على الفور، فلم يكن هناك متسع لجدال أو رأى آخر، فزالت الغمة وانقشع الخطر... أما العرب فالوضع على عكس الترك؛ هناك شعوب تواقة إلى الحرية، مندفعة إلى التغيير، وهناك -فى المقابل- حكام يضعون أيديهم فى أيدى الأعداء، يقبلون الدنية فى دينهم وأوطانهم، دأبوا على نحر الشعوب واستهداف قادتهم وأصحاب الرأى فيهم، وقد اشتروا ولاء الجيوش ومؤسسات الشرطة والقضاء فلا تضرب إلا بسيفهم، وما من نظام عربى إلا وينفق جل مال دولته أو مملكته على الأمن السياسى؛ لئلا يُمس الكرسى، ولئلا يستبدل الصنم الجالس على العرش بإنسان يقدر معانى الآدمية وحقوق الشعوب..
قد يستبطئ العرب الطريق، وقد يرون الخطر خطرين؛ إذ المعركة فى أكثر من ساحة، وإذا الإخوة (الحكام) يناصرون الأعداء.. إلا أن المؤكد أن تلك الحالة وجدت بجميع تفاصيلها على الساحة التركية من قبل، وأن المصلحين الشرفاء لم ييأسوا، فدخلوا على المجرمين الباب، وقطعوا عليهم السبل، وتترسوا بشعبهم، وقاوموا الغرب ومن والاه مقاومة قوية وشجاعة، فدام الحال لفترة ما بين فرٍّ وكرٍّ، حتى رأينا سطوة الشعب ورصانته، وعجز السارق الغاصب وخزيه وخيبته... وعلى كل حال فإن قياد الأمم وتوجيه الشعوب تحتاج إلى خبرة وسابقة، وقد باتت التجربة التركية خير تجربة ومثال..
أضف تعليقك