• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

كما توقعنا في مقال سابق، فإن انتصار "أردوغان" على الانقلاب العسكري في تركيا، لن يكون وبالاً على "عبد الفتاح السيسي" في مصر وجماعته فقط، ولكنه سيضر بالإضافة إليهم بموقف من أداروا المشهد في مواجهته!

 

فالشارع المصري بكل فصائله، ينظر لـ"أردوغان" في دهشة، وهى دهشة انسحبت على الشعب التركي الذي أسقط الانقلاب، وأوقع بالقادة العسكريين هزيمة نكراء، لاسيما بعد أن تبين أن المؤامرة كانت كبيرة، وأن قوى دولية وإقليمية كانت ضالعة فيها، وأن من قادوا الانقلاب ليسوا فرقة داخل الجيش، فيبدو أن معظمه كان منقلباً، وقد امتدت المؤامرة لتشمل مئات الضباط داخل القصر الجمهوري، بل وفي جهاز المخابرات، الذي كان قائده ضد المؤامرة منذ اللحظة الأولى!

 

لقد قيل في البداية، أن مدير المخابرات التركية العامة، هو من نبه الرئيس للانقلاب عصر يوم الجمعة (15/7) ووفر له الحماية، فأني للرئيس محمد مرسي برجل مثله؟! الأمر الذي يجعل من أي مقارنة بين المشهدين المصري والتركي ليست في صالح الرئيس محمد مرسي ومن معه، قبل أن يتبين أنه لا صحة لما أذيع عن دور لمدير المخابرات في التنبيه أو الحماية، فقد علم الرئيس بالانقلاب من صهره!

 

والمعلومات التي تتكشف عن حجم المؤامرة في تركيا، تأتي فتمثل وقوداً يلقى على المشهد المصري فيزيده اشتعالاً، فإذا كان أصحاب الأعذار في مصر، رأوا بعدم جواز المقارنة؛ فالمعارضة التركية غير المعارضة المصرية، فالأولى وقفت مع الشرعية، أما الثانية فقد مثلت غطاء للانقلاب، لكن المعلومات أفادت أن من وقف مع الانقلاب هو الكيان الموازي، المتغلغل في كل مؤسسات الدولة التركية، ومن الجيش، مروراً بالقضاء، إلى قصر الرئيس ذاته، إلى مؤسسات التعليم، وانتهاء بأصغر إدارة حكومية، الأمر الذي يجعل من المعارضة المصرية ليست أكثر من هشيم تذروه الرياح!

 

ومع هذه الفتنة، بدأ البعض يعيد ذكر أنهم أخبروا الرئيس بأن انقلاباً ضده يخطط له، وأنه لم يأخذ هذا على محمل الجد، وقد كرروا ما نقل عن الرئيس "أردوغان" وسمعته في أكثر من مجلس من المؤيدين للدكتور مرسي، من أنه أخبر الرئيس محمد مرسي بعلم المخابرات التركية أن انقلاباً يرتب له في مصر، فطلب منه أن يطمئنه على أحواله هو، وكان في هذا التوقيت عشرات من المعارضين له اعتصموا في حديقة بميدان تقسيم!

 

وهذه التحذيرات، وغيرها، لا يمكننا تقديم المستندات الدالة على صحتها مختومة بختم النسر، وموقعة من اثنين من موظفي الدولة، وقد تضمنها مقال للإعلامي "أحمد منصور"، فأهاجت فريق من مؤيدي الرئيس، الذين يرون في روايات التشكيك في قدرته على أن يعد العدة لمواجهة الانقلاب، مما يطعن في شرعيته.. وهنا انبعث الإعلامي الإخواني زميلنا "إسلام عقل"، ليغلق باب المزايدة على من ادعوا أنهم نصحوا الرئيس، بقوله أن جماعة الإخوان كان لديها علم بمخطط الانقلاب منذ ديسمبر 2012، وأن جماعة الإخوان المسلمين اجتمعت لمناقشة الأمر، لكنها كانت تفتقد القدرة والآليات على مواجهته. فكان كمن جاء ليكحلها فأصابها بالعمى؟!

 

"أحمد منصور"، ليس من خصوم ثورة يناير، الذين يناصبونها العداء، فقد كان في قلبها، وقد تم الاعتداء عليه من قبل أفراد الأمن في يوم جمعة الغضب، ثم أنه إخواني سابق، وقد رفض الانقلاب من أول يوم، ودفع ثمن هذا، مصادرة لممتلكاته في مصر وحكما بسجنه، فلم يكن مجرد واحد من مناضلي "الفسحة" على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يهاجمون أصحاب الرؤى المختلفة من معسكر رفض الانقلاب أكثر من هجومهم على قائده والمنحازين له. وقد يُخطئ  منصور وقد يصيب، لكن لا يجوز معاملته معاملة الأعداء، كما أخطأ عندما قدم للمشاهدين بعد الثورة، الدكتور صفوت حجازي على أنه قائد يناير الأوحد، وذلك في سلسلة حوارات مطولة على "الجزيرة"، رفع فيها قوما وخفض آخرين، على نحو فهمته أنها محاولة لأسلمة الثورة، فبوجوده في الميدان يعلم أنها ثورة أنتجت مطالب ولم تفرز زعامات، وكان "حجازي" في اليوم الأول لها واحداً من آحاد الناس، لكن غفر الله للجميع، فقد ضللنا الشيخ "صفوت" بتقديمه لمخبر أمن الدولة الشيخ "مظهر شاهين"، ودفعه لتخطي الرقاب، حتى "عومت على عومه"، وكتبت أنه "خطيب الثورة"!

 

تدور رؤية "منصور" حول أن هناك من أخبروا الرئيس محمد مرسي بأن انقلاباً سيقع، لكنه لم يصدق لثقته في شخص "عبد الفتاح السيسي"، ولأن من هاجموه ظنوا أن المشكلة في مجرد "العلم"، فقد احتفوا بما كتبه " عقل" من أن الرئيس وجماعته كانوا يعلمون بالمخطط قبل وقوعه بستة شهور، لكنهم كانوا يفتقدون القدرة والآليات على مواجهته، فكان عذراً أقبح من ذنب، فجاء بدفاعه ليخرج الرئيس وجماعته من "حفرة" فهوى بهم في "دحديرة"!

 

فمثلي لا أرى أزمة في أن يكون خضوع عبد الفتاح السيسي بالقول أو بالفعل مبرراً لإدخال الغش والتدليس على الرئيس، فيتصورون أن الرجل الذي صنعه مبارك على عينه، يمكن أن يكون متديناً، وصواماً قواماً، وأن يكون مشغولاً بتطبيق الشريعة، ويؤرق وجدانه أن كثيراً من المصريين ضد شرع الله، وأنه يحلم بعودة الخلافة الراشدة. ففي الحقيقة أن السيسي لم يخدع الإخوان وحدهم، ولكن خدع كل القوى السياسية، بمن فيها من أطلقوا على أنفسهم شباب الثورة، انظر إلي الصورة التي كانوا ينشرونها على صفحاتهم "ابتهاجاً" بوجود اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية بينهم، وروجوا على إثر هذا للدعاية الكذابة التي تقول أن الجيش هو من حمى الثورة، مع أنهم شاهدوا الدبابات وهي تفسح مداخل "ميدان التحرير"، لدخول الخيل والبغال والحمير، في يوم "موقعة الجمل"، كما أنهم عاصروا قدوم مركبات الجيش في يوم جمعة الغضب لتقديم المؤن والذخيرة للشرطة لتواصل مهمتها في قمع المتظاهرين!

 

أن يتمكن شخص في مستوى الذكاء المنخفض للسيسي من خداع القوم، فإنه أمر يقبل الأخذ والرد، ويمكن لمثلي أن يستوعبه، فمن منا لم يخدعه شخص منافق في المؤسسة التي يديرها؟!

 

وإذا كنت أقبل "الخديعة"، فلسنا نمتلك قدرات عمر بن الخطاب الذي قال لست بالخب والخب لا يخدعني!.. والخب هو الرجل الخداع، فإن العلم بمخطط الانقلاب قبل وقوعه بستة أشهر يبدو لي معلومة جديدة، لاسيما وإن كنت لا أر أن الرئيس محمد مرسي كان ضعيفاً، وهو الذي أطاح بقادة في المجلس العسكري، وفي سلطة الحكم، لكن أزمته في أنه وثق في السيسي أكثر مما ينبغي، وهو في مكانة لا يجوز فيها الإفراط في الثقة بهذه الدرجة، وإلى حد إطلاق يد السيسي في الاختيار!

 

إن الترويج لفكرة "قلة الحيلة"، وأن جماعة بحجم الإخوان تعلم بوقوع الانقلاب قبل وقوعه فلا تملك في مواجهته صداً أو رداً هو أمر يضعف الهمم، ويجعل من الهزيمة قدراً، وينبغي على إثره التسليم بحكم الجيش، فلا يقدر على القدرة إلا القادر، ولعل هذا يدفع لسؤال: ولماذا كان الاعتصام والتظاهر إذن ونحن حيال قوة لا قبل لنا بها؟!

 

أعلم أن هناك جناح يروج لهذه الدعاية، ليبرر التقاعس عن الاستمرار في مهمة إسقاط الانقلاب، لكن من المؤسف أنه في سبيل هذا يجري الترويج للعجز!

 

السؤال الذي يحلو للبعض أن يقذف به الرافضين لهذا التصور هو وماذا كان أمام الإخوان أن يفعلوا غير أن يتركوا الأمور تجري في أعنتها وقد عرفوا بالانقلاب قبل وقوعه بست شهور؟!

 

للأسف فإن طرح السؤال كان منطقيا قبل "التجربة التركية"، لكن ما جرى في تركيا أضعف موقف أصحاب هذا التصور، ومع ذلك فلنا أن نسأل:

 

لقد أقال الرئيس محمد مرسي مدير المخابرات العامة، ولم يتململ أحد، فلماذا لم يختار هو البديل ما دام يعلم أن انقلاباً يخطط له ضده، وترك الاختيار لعبد الفتاح السيسي!

 

ولقد أقال الرئيس وزير الداخلية، بعد أن تبين ضلوعه في مؤامرة حصار قصر الاتحادية، وعنت له الوجوه، فلم يجرؤ أحد على رفض الإقالة، فلماذا لم يختار هو الوزير الجديد، وترك اختياره للسيسي مع أنه يعلم أن انقلابا ضده يخطط له؟!

 

ولقد أقال عددا من أعضاء المجلس العسكري، ولم تخرج مظاهرة تندد بالقرار، فلماذا لم يعين هو البدائل، ومن جنرالات كانوا منحازين له ويدافعون عنه في البرامج التلفزيونية وترك اختيار البديل لعبد الفتاح السيسي، وهو وجماعته على علم بأن انقلابا يخطط له منذ شهر ديسمبر 2012؟

 

ولقد عزل قائد الحرس الجمهوري المعين من قبل المشير طنطاوي، وزير الدفاع، فلماذا ترك السيسي يختار البديل، حتى اليوم الأخير له في الحكم، وكان طبيعياً بعد ذلك أن يسلمه للمنقلبين عليه، مع أن ولاء الحرس الجمهوري للرئيس، وهو الجهاز الذي حمى الرئيس السادات في مواجهة انقلاب خصومه بمن في ذلك الفريق فوزي وزير الحربية!

 

ولماذا لم يغادر القصر الجمهوري، وارتضى أن ينقلوه قبل الانقلاب لمبنى الحرس؟، ولماذا لم يعزل وزير الدفاع لصبح أمام العالم إذا تمرد على قرار إقالته أنه انقلاب عسكري واضح للعيان؟!

 

الدفاع عن الرئيس محمد مرسي، ورفع شعارات من نوعية لا يجب محاسبته وهو في الأسر، هو قنبلة الغاز التي تطلق لحماية أصحاب المراكز المستقرة ممن هم خارج الأسر، والذين أداروا المشهد بعد الانقلاب، وهذا هو "بيت القصيد"!

 

ومع الاعتذار لـ"إسلام عقل"، فإذا كان يرى في ما كتبه "أحمد منصور" إساءة للرئيس وجماعته، فقد أساء هو بدفاعه، الذي لا نعرف ما إذا كان من الجائز أن نعتمده رؤية من الداخل، ودفاع رسمي، لقربه من قادة الجماعة، أو هو حماس شباب، رأي أن جماعته يساء له من عضو سابق، هو "منصور" فقرر الدفاع بدون توكيل، وبدون الاختلاء بموكله، وأمام المحاكم توجد ظاهرة المحامين الذين يعرضون أنفسهم للدفاع عن متهمين بدون سابق معرفة بهم أو بالقضايا المتهمين فيها، والجميع يعرف هذا المحامي التاريخي الذي قرأ الأوراق سريعاً وانبرى مترافعا:

 

سيادة القاضي إن موكلي لم يسرق العجلة (البقرة الصغيرة) فقد كان يحمل برسيما فانطلقت خلفه دون أن يعلم فلما دخل إلى بيته دخلت خلفه ولم ينتبه لذلك، إلا وصاحبها يمسك فيها ويتهمه بأنه سرقها!

 

و كان رد القاضي الذي أحرج المحامي وأقف ملحمة الدفاع:

 

يا أستاذ موكلك ليس متهما بسرقة "عجلة" بكسر العين، ولكن بسرقة "عجلة" بفتحها، أي دراجة!

ما علينا، فالرئيس محمد مرسي في الأسر، وليس من المروءة أن نحاسبه ولسنا على اطلاع على كل المعلومات، لكن من أداروا المشهد لكسر الانقلاب منذ أسر الرئيس هم أمامناً، وليس من الشجاعة أن يختبئوا خلف الرئيس الأسير!

 

وإذا كان فقه العجز، يصلح قبل ما جرى في تركيا، فإن ما حدث هناك مثل فتنة، لن يضار منها الانقلاب في مصر فقط، بما مثله من رسالة للشعب بأنه قادر على هزيمة الدبابة، ولكن سيضار بها من تصدروا المشهد فثبتوا بعجزهم أركان الانقلاب مع أنه يترنح!

 

لا تتمرسوا خلف الرئيس الأسير، فأينما تكونوا يدرككم "نصر أردوغان"!

أضف تعليقك