• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

في سكناته وحركاته، تبدو لي مشكلة السياسي المصري "حمدين صباحي"، كامنة في اللقب، سواء نكرة كما في حالته "صباحي"، أو معرفاً بـ "الألف واللام" كما في حالة رئيس حزب "الأمة" الراحل الحاج أحمد "الصباحي" عوض الله، الذي كان يمثل دور "المعارض" مع "مبارك" كما يمثله "حمدين" مع "عبد الفتاح السيسي"، حتى استقر في الوجدان، أنه لابد لكل حاكم عسكري، من "صباحي"، نكرة أو معرفة!

الحاج أحمد الصباحي، دخل عالم السياسة من باب "قراءة الكف"، وكان دائماً يقول إنه قرأ "كف مبارك"، وتنبأ له بطول العمر، وكثيراً ما رفع مطالب سياسية عميقة مثل مطلبه باعتماد لعبة الكرة الصاروخية، التي هي من اختراعه، وكذلك مطلبه بغطاء رأس للمصريين، ويقال إنه خال رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد المخلوع "زكريا عزمي"، وقد مُنح رخصة بحزب سياسي، عندما أراد نظام مبارك تشويه تجربة التعددية الحزبية وجعلها مسخرة، لحرق الأرض أمام الزخم السياسي الذي أحدثه عودة حزب "الوفد" بما له من تراث تاريخي بدأ على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، الذي قاد ثورة 1919، وقد رحب كثيرون بقرار حركة ضباط الجيش، في سنة 1952، بإلغاء نظام التعددية الحزبية، لأنه سينتقم من هذا الحزب، الذي يعد حزب الشعب المصري بامتياز!

كان "الوفد الجديد" قد تأسس في سنة 1983، برئاسة زعامة تاريخية هو "فؤاد باشا سراج الدين"، والذي كان يعقد اجتماعات لأحزاب المعارضة في مقر "الوفد"، عندما كانت في مصر أربعة أحزاب فقط للمعارضة، "الوفد"، و"التجمع"، و"العمل" و"الأحرار"، إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، وبلغ من قوة هذه الأحزاب في وقت لاحق أنها عندما دعت لمؤتمر لجماهيري بميدان عابدين، لتعلن مطالب الأمة في سنة 1986، متحدية قانون الطوارئ، لم يجد النظام أمامه من سبيل لسحب البساط من تحتها سوى أنه قرر الاستفتاء على "حل البرلمان"، ليكسب هو شعبية في هذا اليوم!

وقبل هذا المؤتمر بسنوات، كان نظام مبارك قد أخذ بسياسة تشويه المعارضة، فكان أن تقدم "أحمد الصباحي" بطلب لتأسيس حزب "الأمة"، إلى لجنة شؤون الأحزاب السياسية، ولأن القانون كان ينص على أن عدم البت في طلب التأسيس خلال (60) يوماً يعد موافقة، فقد حدث أن تم تمرير المدة بدون قرار، ثم تصرفت السلطة بعد ذلك على أساس أنها لم تنتبه لذلك، فلم تمنحه الموافقة، وإنما تركته يحصل عليها من القضاء الإداري، للفصل في الشكل، دون التطرق للموضوع وهو برنامج الحزب والنظر في مدى تأسيسه وفق أحكام القانون، وإمعاناً في ادعاء "البراءة" تم تعديل النص ليصبح عدم بت اللجنة يعد رفضاً، وهكذا صار "الصباحي" بطربوشه وأفكاره رئيسا لحزب معارض، ثم جرى التوسع في هذه السياسة من خلال تنصيب شخصيات ليست فوق مستوى الشبهات رؤساء أحزاب، وبأحكام من دائرة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا، إبان رئاسة المستشار محمد حامد الجمل لها!

وإذا كانت البدايات السياسية مختلفة بين الحاج "أحمد الصباحي"، و"حمدين صباحي"، فإن النهايات واحدة، فقد خاض الأول أول انتخابات رئاسية تعددية ضد مبارك في سنة 2004، وفي يوم الانتخابات كانت كاميرا التلفزيون المصري تسجل هذه اللحظة التاريخية المهمة، والمرشح الرئاسي "الصباحي" يدلي بصوته، ويصرح بأنه انتخب الرئيس مبارك، وأنه لو "لا قدر الله" نجح، فسوف يتنازل عن الرئاسة للرئيس لأنه الأقدر على إدارة البلاد!

أما الثاني "صباحي"، فقد خاض ما سمي بالانتخابات الرئاسية في سنة 2014، ليس بهدف الفوز، وإنما لضمان الفوز الكاسح لمنافسه "عبد الفتاح السيسي"، ولإعطاء هذه الانتخابات الشكل الديمقراطي في الخارج، من حيث وقوع التنافس الشكلي، وعندما عزفت الجماهير عن الحضور في اليومين المقررين، وافق "حمدين صباحي" على التمديد ليوم ثالث، واللافت أنه سحب مندوبيه المشرفين على اللجان، ليترك الساحة لمنافسه ليزور الانتخابات في هدوء، ويهينوه إهانة بالغة بوضعه في المرتبة الثالثة، في انتخابات ترشح لها اثنان فقط، حيث فازت الأصوات الباطلة بالمرتبة الثانية، في تصرف مهين، قبله بروح رياضية، لأن المهم عنده، ما كان مهماً عن الحاج "أحمد الصباحي"؛ ألا و هو فوز "الرئيس"!

ويبدو السبب الكامن في بطن هذا المرشح أو ذاك؛ سواء "النكرة" أو "المعرف بألف ولام"، هو الإيمان بعدم جدارتهما بالمنصب، فقد انتخب الأول "مبارك"، ودافع الثاني عن استمرار "السيسي" على أساس أن البديل له هم الإخوان، فقد حذف نفسه من أن يكون بديلاً محتملاً في حال سقوطه أو تغييبه!

في حواره مع جريدة "الأخبار" اللبنانية، استنكر "حمدين صاحي" الدعوة لإسقاط "السيسي"، رغم تسليمه بأنه "فشل على جميع المستويات"، وتسليمه كذلك بأن شعبيته تراجعت بسبب هذا الفشل، وتكميمه للأفواه فلم يُبق على منبر إعلامي يعارضه، فضلاً عن الاعتقالات والاختفاء القسري في عهده، وبالإضافة إلى هذا فقد دعا للسلام الدافئ مع إسرائيل، وأرسل وزير خارجيته إلى الأرض المحتلة!
ومع كل هذا، فإن "صباحي" يرى أن إسقاط السيسي يعني ثمرة في جيب الإخوان!.. وهذا يقودنا إلى أن نسأل وماذا يمثل حمدين صباحي إن لم يكن يرى في نفسه بديلاً مناسباً؟!

لقد حلم "صباحي" بأن يكون رئيساً في أول انتخابات رئاسية تنافسية عرفتها مصر، وجاء الثلاثي المكون منه، ومن "خالد علي"، و"عبد المنعم أبو الفتوح" ليحتفلوا بفشلهم في "ميدان التحرير"، ويبتزوا الدكتور محمد مرسي حيث تقرر أن يخوض جولة الإعادة مع مرشح الدولة القديمة الفريق أحمد شفيق، بدعوته لأن يتنازل لحمدين، مع أن باب التنازل قد أغلق قانوناً وكأنهم يقدمون خدمة لشفيق، الذي تبين بعد ذلك أن "صباحي" أدار معه مفاوضات مقابل منصب نائب الرئيس وعدد من الحقائب الوزارية، لكن شفيق رفض هذه الشروط المسبقة، وطلب لبداية التفاوض الجاد أن يعلن "صباحي" دعمه له بدون قيد أو شرط!

وانطلق "صباحي" بعد فوز الدكتور محمد مرسي ليعمل على إسقاطه من أول يوم له في الحكم، لأنه يرى في نفسه أنه "المؤهل" لمنصب رئيس الجمهورية، واستخدم جبهة الإنقاذ، في الدعوة لإسقاط الرئيس، ويعجب المرء الآن لأن أي جولة جديدة للانتخابات، لم تكن تؤهله للفوز، باعترافه هو، فبعد ثلاث سنوات من المطاردة، والتنكيل، والاعتقال، يرى "حمدين صباحي" أن إسقاط السيسي سيكون بمثابة ثمرة في جيب الإخوان، وهذا ينفي الدعاية الرائجة بأن الإخوان قد انتهوا، وعندما تقرر الدخول في نقاش مع مؤيد للانقلاب، ولم يجد مبرراً منطقياً لموقفه، فلا إنجاز تحقق، ولا كرامة تم صيانتها، ولا عدالة سادت، فالفشل وكما قال "حمدين" على جميع المستويات، فإنه يقول لك: "يكفي أنه قضى على الإخوان". وعندما أجد في نفسي رغبة في الجدل، فإني أقول لناقل هذا "العزف الموسيقي"، وماذا فعل لك الإخوان لتعتبر إسقاطهم إنجازاً؟، عندئذ "يضرب لخمة" وكأنه فوجئ بالسؤال!

الإخوان كانوا سبباً في نجاح "حمدين صباحي" بعضوية البرلمان لدورتين في عهد مبارك. وفي عهد الثورة، وضعوا على قوائمهم ثلاثة عشر مرشحاً ينتمون لحزبه "الكرامة" فنجحوا جميعاً، ولم يتمكن أي منهم من الفوز في غياب الإخوان وحكم السيسي، ولست معنياً بما كان بينهم، والقوائم التي لفظتني حملت أنصار "صباحي"، ولا شأن لي إن كان كالقطط يأكل وينكر، فما يعنيني هنا هو أن يصبح، برغم كل ما حدث، البديل للسيسي ليس هو "حمدين" ولكن الإخوان!

عقب الثورة، كان البعض ممن هم يحسبون على الثورة، يدعون إلى تأجيل الانتخابات إلى حين أن تستعد لها الأحزاب المدنية لمنافسة الإسلاميين، وكنت من الداعين للتبكير بها، ولتستعد الأحزاب المدنية للدورة التالية، ومما يؤسف له، أنه رغم مرور خمس سنوات، والحديث عن فشل الإخوان، وتعري الأحزاب الدينية، فضلاً عن المطاردات والمصادرات، لا يزال البديل هم الإخوان، على النحو الذي يدفع حمدين لضرورة التمسك بالسيسي وعدم الدعوة لإسقاطه!

لقد كنت أرى أن "صباحي" يرى في نفسه أنه بديل للسيسي، لكن باعترافه أثبت أنه ليس أكثر من الحاج "أحمد الصباحي" رحمه الله!

أضف تعليقك