منذ ثانية واحدة
كتبنا أكثر من مقال حول مؤسسة القضاء، خاصة أنه في مرات كثيرة يتهم كثيرون بإهانة القضاء، ويستمر ذلك المسلسل المرة تلو المرة في محاولة لافتعال قضايا تشير حسب رأيهم إلى استهداف القضاء بالإهانة والمهانة، وفي كل مرة كنا نتساءل من يهين القضاء وكتبنا أن الإهانة الحقيقية للقضاء تأتي من المؤسسة ذاتها حينما تمارس أعتى الأدوار وأقبح الوظائف في مساندة المستبد وإحكام منظومة الظلم، رغم أن تلك المؤسسة في جوهرها تشكل قاعدة منظومة العدالة، إلا أنها حينما تتخلى عن كل ذلك وتسهم بشكل ممنهج في إحكام حلقة الظلم حول عموم الناس فإنها تستحق أن تكون منظومة الظلم بدلاً من أن تسمى منظومة العدالة.
اكتشفنا ذلك حينما وجدت منى سيف - على سبيل المثال - أن هذه المنظومة، بدءاً من عملية التحقيق، تمارس عملاً في شبكة الظلم تلك مأمورة به مُملى عليها، حينما وقفت لتفضح مؤسسات النيابة وأدوارها، وتتحدى وكيل النيابة الذي كان يحقق معها أن يصدر قراره على الفور، لتكشف له أنه تابع ذليل ولا يتصرف بشكل مستقل من ذاته أو من تلقاء نفسه، وفي الحقيقة، فإنه في معظم أمره إن لم يكن كله لا يحركه الدليل، ولكن تحركه منظومة الأمر من أُولي الأمر والطاعة العمياء من جانبه، بموقفها ذلك فوتت على وكيل النيابة كل فرصة تتعلق بمحاولة إظهاره أنه ينتمي إلى مؤسسة مستقلة تصدر قرارها عن ذاتها وتعبيرا عن إرادتها.
في السياق ذاته، بعثت المحامية والناشطة الحقوقية "ماهينور المصري" برسالة قوية تؤشر فيها إلى أننا لسنا من نهين القضاء ولكن القضاء يهين نفسه، بعثت بالرسالة الخامسة من محبسها بسجن دمنهور، بعدما قضت محكمة استئناف المنشية بحبسها ستة أشهر وبغرامة خمسين ألف جنيه، بتهمة خرق قانون التظاهر، تلك العلة الكبرى التي يستند إليها القضاة في التنكيل بكل من ينتمي لثورة يناير وأهدافها.. أكدت "ماهينور" أن الحكم الصادر ضدها مسيس لأكثر من سبب، كما عبرت خلالها عن اعتراضها على مولد التطبيع والتعامل مع إسرائيل كحليف، ودعمها لأي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية. بدت تلك الرسالة كأنها تعبر وتكشف وتفضح مهمة القضاء القبيحة في مساندة المستبد وفرعونيته القميئة، وتؤكد تلك القاعدة التي تتعلق بأن القضاء يهين نفسه.
في تلك الرسالة التي نقلتها عنها شقيقتها؛ علقت على الحكم الصادر ضدها بأنها لم تندهش من قرار حبسها رغم كم الدفوع التي تم تقديمها، معتبرة أن الحكم الذي صدر بحقها ليس حكماً قانونياً بأي حال، إنما هو حكم مسيس وتعبير عن انتقام من الثورة في أذهان الناس، لكي يربطوا بين النشطاء من أبناء الثورة وبين المدانين وصناع الفوضى، حسب قولها. لقد وضعت "ماهينور" يدها على كبد الحقيقة حينما عرّت كل تلك الأفعال دور المؤسسة القضائية في التنكيل بشباب الثورة وأهلها، وفي مشاركة القضاء في عملية كبرى وصناعة أخطر لتشويه الثورة وتشويه كل الرموز التي ارتبطت بها، منتقمة من أهلها، ومحاولة أن تصنع الصورة بأن ثورة يناير لم تكن إلا عملاً استهدف الدولة واستهدف مؤسساتها، في عملية تصفية حساب كبرى من الثورة المضادة في مواجهة الثورة الحقيقية.
ومن خلال الرؤية المتفحصة لحيثيات المحكمة التي أرادت أن تحسن صورة القضاء، فإنها للأسف الشديد شوهت جوهر وظيفته، حينما تضمنت هذه الحيثيات تخفيف الحكم عليها مراعاة لصغر سنها، وكونها وقعت "فريسة لأفكار لا تدرك أبعادها". وفي واقع الأمر هذا الكلام يفيض أبوة زائفة من قاض لا يعرف أن أهل الثورة لا يتخلون عنها بأي حال، وأن الأمر لا يرتبط بصغر السن، وأن هؤلاء يدركون أفكار الثورة وأبعادها ويؤكدون على قيمة هذه الثورة وأهدافها بل هم يتمسكون بها. ومن ثم فضحت "ماهينور" أن الحكم ليس إلا حكماً سياسياً بحتاً أتى بعد ضغط سياسي وإعلامي تحاول المحكمة أن تبرر حكمها التي قالت إنه حكم مخفف، ولكنها أرادت أن تقوم بمهمتها الكبرى بالإيحاء والتلميح وكأن أهل الثورة يعتذرون عنها وعن المشاركة فيها.
ردت "ماهينور" رداً مزلزلاً، كاشفة أنها ليست بالصغيرة، ومؤكدة أنه "إذا كانت المحكمة وفي القضية نفسها تراعي صغر سني" فإنها تحيل القاضي إلى زميلها إسلام حسنين في القضية نفسها الذي يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً فقط، ومع ذلك حكمت عليه المحكمة نفسه والقاضي نفسه بتأييد سجنه عامين، رغم أن إسلام لم يكن متظاهراً، بل كان مجرد عابر سبيل قاده حظه السيء إلى مكان المظاهرة نفسه، فألقي القبض عليه بالخطأ. ونذكر هؤلاء القضاة بكل ما فعلوه مع الأحداث والصغار والذين لا يزالون محلاً لعبث أحكامهم. فقط نحيل إلى ذلك الطفل الصغير الذي لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات، والذي اشتهر على صفحات التواصل الاجتماعي بتسمية "متهم الببرونة"، سخرية من هؤلاء الذين يقومون بالحكم على أطفال صغار في سن الرضاعة والحبو، ويسندون إليهم تهماً كبيرة كلها تصب في تهديد أمن الدولة ومقاومتها، فكان هذا ليس إلا مؤشراً على عبث الأحكام القضائية حينما تحاول أن تدلي بدلوها بأبوة زائفة لا تعرف لها معنى ولا تقدم لها مغزى. فقط هؤلاء يروعون ويعبثون بحياة الناس، منتقمين من كل أحد أيا كان عمره وسنه.. لا يقيمون لأي أمر وزنا، سوى أنهم يعلنون أنهم لهم اليد الطولى، يتحكمون ويحكمون بما أرادوا، ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا بالمتحكمين، بل هم عبيد يطلقون الأحكام في ظل نكتة كبيرة شاعت وسادت "الحكم بعد المكالمة".
أما ذكر المحكمة في حيثياتها بأن المتهمة غير مدركة لأبعاد أفكارها، فقد صرحت "ماهينور" نيابة عن أهل الثورة، وباعتبارها أحد منسقي حركة الاشتراكيين الثوريين بالإسكندرية، بأنها هي وكل زملائها يدركون تمام الإدراك أفعالهم ومطالبهم التي خرجوا من أجلها في الخامس والعشرين من يناير، كما يدركون أيضاً ما يفعله النظام وما يريده، مؤكدة على تمسكها بالأمل لأقصى درجة، وثقتها بأن الغد هو الأفضل لهذا الشعب، فتعبر بذلك عن كل من شارك في ثورة يناير، وتؤكد أنها الثورة الوحيدة التي نعرفها وأنها الثورة الكبرى التي لا بد أن نستكملها، وأن ما تمثله هذه الثورة هي أمل المستقبل ومستقبل الأمل.
وفي رسالة تنظم بين مقاومة المستبد في الداخل ومقاومة المستعمر والمحتل الصهيوني ومن يسانده، فإنها فيما يخص الحرب على غزة علقت وأكدت؛ وكأن المقاومة تشكل حالة واحدة قائمة للمستبد والمحتل معاً: "تحية للشعب الفلسطيني ومقاومة غزة، فلسطين عمرها ما كانت حماس.. ولا فتح العميلة.. فلسطين هي الشعب المقاوم العظيم، إحنا ندعم كل مقاومة وأي مقاومة".. هكذا كان الوعي بكل ما يتعلق بثورة ومقاومة تعرفون أبعادها ونستمسك بأهدافها، كانت كل كلمة تؤكد أن من يهين مؤسسة القضاء هي المؤسسة ذاتها بأفعالها وبحيثياتها وبأحكامها. رسالة عميقة على بساطة كلماتها ولكنها حملت من فيض المعاني وعظيم المغزى.. لو كانوا يعقلون؟!
اكتشفنا ذلك حينما وجدت منى سيف - على سبيل المثال - أن هذه المنظومة، بدءاً من عملية التحقيق، تمارس عملاً في شبكة الظلم تلك مأمورة به مُملى عليها، حينما وقفت لتفضح مؤسسات النيابة وأدوارها، وتتحدى وكيل النيابة الذي كان يحقق معها أن يصدر قراره على الفور، لتكشف له أنه تابع ذليل ولا يتصرف بشكل مستقل من ذاته أو من تلقاء نفسه، وفي الحقيقة، فإنه في معظم أمره إن لم يكن كله لا يحركه الدليل، ولكن تحركه منظومة الأمر من أُولي الأمر والطاعة العمياء من جانبه، بموقفها ذلك فوتت على وكيل النيابة كل فرصة تتعلق بمحاولة إظهاره أنه ينتمي إلى مؤسسة مستقلة تصدر قرارها عن ذاتها وتعبيرا عن إرادتها.
في السياق ذاته، بعثت المحامية والناشطة الحقوقية "ماهينور المصري" برسالة قوية تؤشر فيها إلى أننا لسنا من نهين القضاء ولكن القضاء يهين نفسه، بعثت بالرسالة الخامسة من محبسها بسجن دمنهور، بعدما قضت محكمة استئناف المنشية بحبسها ستة أشهر وبغرامة خمسين ألف جنيه، بتهمة خرق قانون التظاهر، تلك العلة الكبرى التي يستند إليها القضاة في التنكيل بكل من ينتمي لثورة يناير وأهدافها.. أكدت "ماهينور" أن الحكم الصادر ضدها مسيس لأكثر من سبب، كما عبرت خلالها عن اعتراضها على مولد التطبيع والتعامل مع إسرائيل كحليف، ودعمها لأي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية. بدت تلك الرسالة كأنها تعبر وتكشف وتفضح مهمة القضاء القبيحة في مساندة المستبد وفرعونيته القميئة، وتؤكد تلك القاعدة التي تتعلق بأن القضاء يهين نفسه.
في تلك الرسالة التي نقلتها عنها شقيقتها؛ علقت على الحكم الصادر ضدها بأنها لم تندهش من قرار حبسها رغم كم الدفوع التي تم تقديمها، معتبرة أن الحكم الذي صدر بحقها ليس حكماً قانونياً بأي حال، إنما هو حكم مسيس وتعبير عن انتقام من الثورة في أذهان الناس، لكي يربطوا بين النشطاء من أبناء الثورة وبين المدانين وصناع الفوضى، حسب قولها. لقد وضعت "ماهينور" يدها على كبد الحقيقة حينما عرّت كل تلك الأفعال دور المؤسسة القضائية في التنكيل بشباب الثورة وأهلها، وفي مشاركة القضاء في عملية كبرى وصناعة أخطر لتشويه الثورة وتشويه كل الرموز التي ارتبطت بها، منتقمة من أهلها، ومحاولة أن تصنع الصورة بأن ثورة يناير لم تكن إلا عملاً استهدف الدولة واستهدف مؤسساتها، في عملية تصفية حساب كبرى من الثورة المضادة في مواجهة الثورة الحقيقية.
ومن خلال الرؤية المتفحصة لحيثيات المحكمة التي أرادت أن تحسن صورة القضاء، فإنها للأسف الشديد شوهت جوهر وظيفته، حينما تضمنت هذه الحيثيات تخفيف الحكم عليها مراعاة لصغر سنها، وكونها وقعت "فريسة لأفكار لا تدرك أبعادها". وفي واقع الأمر هذا الكلام يفيض أبوة زائفة من قاض لا يعرف أن أهل الثورة لا يتخلون عنها بأي حال، وأن الأمر لا يرتبط بصغر السن، وأن هؤلاء يدركون أفكار الثورة وأبعادها ويؤكدون على قيمة هذه الثورة وأهدافها بل هم يتمسكون بها. ومن ثم فضحت "ماهينور" أن الحكم ليس إلا حكماً سياسياً بحتاً أتى بعد ضغط سياسي وإعلامي تحاول المحكمة أن تبرر حكمها التي قالت إنه حكم مخفف، ولكنها أرادت أن تقوم بمهمتها الكبرى بالإيحاء والتلميح وكأن أهل الثورة يعتذرون عنها وعن المشاركة فيها.
ردت "ماهينور" رداً مزلزلاً، كاشفة أنها ليست بالصغيرة، ومؤكدة أنه "إذا كانت المحكمة وفي القضية نفسها تراعي صغر سني" فإنها تحيل القاضي إلى زميلها إسلام حسنين في القضية نفسها الذي يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً فقط، ومع ذلك حكمت عليه المحكمة نفسه والقاضي نفسه بتأييد سجنه عامين، رغم أن إسلام لم يكن متظاهراً، بل كان مجرد عابر سبيل قاده حظه السيء إلى مكان المظاهرة نفسه، فألقي القبض عليه بالخطأ. ونذكر هؤلاء القضاة بكل ما فعلوه مع الأحداث والصغار والذين لا يزالون محلاً لعبث أحكامهم. فقط نحيل إلى ذلك الطفل الصغير الذي لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات، والذي اشتهر على صفحات التواصل الاجتماعي بتسمية "متهم الببرونة"، سخرية من هؤلاء الذين يقومون بالحكم على أطفال صغار في سن الرضاعة والحبو، ويسندون إليهم تهماً كبيرة كلها تصب في تهديد أمن الدولة ومقاومتها، فكان هذا ليس إلا مؤشراً على عبث الأحكام القضائية حينما تحاول أن تدلي بدلوها بأبوة زائفة لا تعرف لها معنى ولا تقدم لها مغزى. فقط هؤلاء يروعون ويعبثون بحياة الناس، منتقمين من كل أحد أيا كان عمره وسنه.. لا يقيمون لأي أمر وزنا، سوى أنهم يعلنون أنهم لهم اليد الطولى، يتحكمون ويحكمون بما أرادوا، ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا بالمتحكمين، بل هم عبيد يطلقون الأحكام في ظل نكتة كبيرة شاعت وسادت "الحكم بعد المكالمة".
أما ذكر المحكمة في حيثياتها بأن المتهمة غير مدركة لأبعاد أفكارها، فقد صرحت "ماهينور" نيابة عن أهل الثورة، وباعتبارها أحد منسقي حركة الاشتراكيين الثوريين بالإسكندرية، بأنها هي وكل زملائها يدركون تمام الإدراك أفعالهم ومطالبهم التي خرجوا من أجلها في الخامس والعشرين من يناير، كما يدركون أيضاً ما يفعله النظام وما يريده، مؤكدة على تمسكها بالأمل لأقصى درجة، وثقتها بأن الغد هو الأفضل لهذا الشعب، فتعبر بذلك عن كل من شارك في ثورة يناير، وتؤكد أنها الثورة الوحيدة التي نعرفها وأنها الثورة الكبرى التي لا بد أن نستكملها، وأن ما تمثله هذه الثورة هي أمل المستقبل ومستقبل الأمل.
وفي رسالة تنظم بين مقاومة المستبد في الداخل ومقاومة المستعمر والمحتل الصهيوني ومن يسانده، فإنها فيما يخص الحرب على غزة علقت وأكدت؛ وكأن المقاومة تشكل حالة واحدة قائمة للمستبد والمحتل معاً: "تحية للشعب الفلسطيني ومقاومة غزة، فلسطين عمرها ما كانت حماس.. ولا فتح العميلة.. فلسطين هي الشعب المقاوم العظيم، إحنا ندعم كل مقاومة وأي مقاومة".. هكذا كان الوعي بكل ما يتعلق بثورة ومقاومة تعرفون أبعادها ونستمسك بأهدافها، كانت كل كلمة تؤكد أن من يهين مؤسسة القضاء هي المؤسسة ذاتها بأفعالها وبحيثياتها وبأحكامها. رسالة عميقة على بساطة كلماتها ولكنها حملت من فيض المعاني وعظيم المغزى.. لو كانوا يعقلون؟!
أضف تعليقك