"تاهت ولقيناها"، لا بد أن معسكر عبد الفتاح السيسي هتف بهذه العبارة، مع طرح ما سميت "مبادرة عصام حجي"، لتكوين فريق رئاسي منافس في 2018.
ألهمت "مبادرة حجي" خيال شعراء مشروع السيسي، فاستخرجوا من أرشيف العبث السياسي لعبةً قديمةً مارسها أحد القافزين من أسوار حزب التجمع اليساري التقدمي الوحدوي، اسمه مجدي الكردي، معلنا في صيف العام 2010 حملة توكيلات "شعبية"، لتوريث جمال مبارك الحكم عن أبيه.
معسكر السيسي نشط، فور الإعلان عن طرح عصام حجي، المستشار العلمي لرئاسة الانقلاب، فأطلق حملة "تمديد" حكم السيسي، الابن العسكري الذي ورث الحكم من حسني مبارك، وأبى عصام حجي إلا أن يقابل العبث بعبثٍ، فأعلن عن حملة مضادة، ترفض التمديد.
يتحدّث مشروع عصام حجي عن استهداف المستقبل، بينما هو غارق في ماضوية الأداء والمسميات، وربما الأسماء أيضاً، في اجترارٍ شديد النمطية للماضي بمعادلاته، حتى يكاد يبين أن العالم الشاب العائش في قلب الدراما السياسية الأميركية، الخاصة بمصر والمنطقة، ليس أكثر من تلك الشجرة التي تختفي وراءها الغابة، أو قل إنه الواجهة لمشروعٍ كبير، يجري تحضيره وراء المحيط، أكثر تعقيداً وغموضاً بكثير، من الجزء الظاهر منه.
وبالطبع، لا أحد يصادر حق أحدٍ في التحرّكات السياسية، وصياغة البدائل والمشاريع، ولا أحد يتعامل مع هذا النوع من المبادرات بمبدأ الحب والكره، فذلك يصلح للعلاقات الإنسانية والاجتماعية، والأحوال الشخصية، من زواج وطلاق ومصاهرة وخلافه.. لكن المؤكد أن من حق الجميع أن يختلف ويتفق، ويرفض ويقبل، ويؤيد ويعارض، كل ما يلقى في الساحة السياسية، من مشاريع أو مبادرات، في ظاهرها المعارضة، وفي باطنها المغانجة والمغازلة لسلطة انقلابٍ، وصلت إلى الحكم فوق آلاف الجماجم والأشلاء والجثث المحروقة التي تقف ذكرى مذبحتها على الأبواب.
ما فعلته مبادرة عصام حجي أنها منحت شرعيةً سياسيةً وقانونيةً لعملية اغتصاب الحكم، حين غضت الطرف عن الماضي، بكل إرهابه ودمويته، والحاضر، بكل فشله وانحطاطه، وقفزت بسلطةٍ تخوض في الوحل والدم، إلى العام 2018، ضاربةً معها موعداً مؤجلاً للمنافسة، أو المشاركة في مباراة، يعلم أصحاب المبادرة أن نتيجتها محسومةٌ مسبقاً.. وهنا، التقط معسكر السيسي الهدية، وأطلق مبادرة، من خلال "مجدي كردي" جديد، منحها لقب "الشعبية"، وأسبغ عليها الحماية، بالدعم الصامت الخفي، لتمارس لعبة "عداد التوكيلات" مجدّدا، وهي اللعبة المفضلة لها، والتي تجيدها تماماً، وجرّبتها مع "تمرد" من أجل الانقلاب، ثم مع "الجنرال رئيساً" من أجل تنظيف السلطة في وعاء انتخاباتٍ، لعب فيها حمدين صباحي دور مسحوق الغسيل منخفض التكلفة، وقبل ذلك، في وقتٍ مبكّر من ربيع 2011 استخدمها المجلس العسكري الحاكم، في محاولةٍ للتحايل على مطالب الشارع الثوري الغاضب، بخروجه من السلطة، وتسليمها للمدنيين، عبر انتخابات.
ليس ما سبق اتهاما لعصام حجي بالضلوع في عملية غسيلٍ جديدة للسلطة، كان جزءاً منها، بل هو ممارسة لحق الفهم والاختلاف، والنقد لرجل أكبرنا موقفه، حين استقال فراراً من إهانة العلم في ملاهي السلطة السياسية، من خلال ذلك الذي ألبسوه زي جنرالٍ مزيف، صاحب الاختراع الكذوب لعلاج الإيدز والكبدي الوبائي بالكفتة، على أساس أن للعلم ناسه، وللعبث رجاله. وبالمعيار نفسه، نتمنى أن يبقى عصام حجي مخلصاً لعلمه، ويترك السياسة لناسها، ويخلع أزياءها ويكتفي بثوب العالم، أو على الأقل يتزحزح قليلاً، كي نرى الغابة التي تختفي وراءه.
مرةً أخرى، لا مصادرة لحق أحد في التحرك، وفيما يعتبره "تفكيراً خارج الصندوق"، لكن الصندوق فوقه دم، وعلى جانبيه دم، ولا بد من غسله، أولاً، من الداخل والخارج، والاعتذار، كل على حجم مشاركته، عما أريق من دماء، وما أُهدِرَ من قيمٍ ومعانٍ، وها هي ذكرى مجزرتي "رابعة العدوية" و"النهضة" تقرع أبواب الضمير، فهل من معتذر، ومغتسل؟!
هذا موضوعٌ يستحق أن نتحدّث عنه لاحقاً.
أضف تعليقك