حين دعا وزير الثقافة إلى ندوة لإثبات أن الجزيرتين ليستا مصريتين، فإنه ذكرنا بقصة الرجل الذى قرر أن يؤدى فريضة الحج فى حين أن الناس «راجعة» منه، كما يقول المثل الشهير. ذلك أن الوزير الهمام دعا إلى عقد الندوة بعدما أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانها حول الموضوع. وأصدر مجلس الدولة حكمه بشأن إبطال الاتفاق الذى عقد بخصوصه. وطعنت الحكومة على القرار، ولايزال مصير الطعن معروضا. ذلك فضلا عن أن القضية قتلت بحثا فى وسائل الإعلام، وظلت غالبية الصحف القومية وغير القومية تتحدث بصوت عال عن عدم مصرية الجزيرتين. بعد الجدل الذى استمر طوال الأشهر الثلاثة الماضية، رعى وزير الثقافة الندوة التى نظمها مكتبه بتوجيه منه. خلال ثلاث ساعات استمر فيها اللقاء فإن المشاركين تصوروا أنهم اكتشفوا المفاجأة التى غابت عن كثيرين، وخلصوا إلى معلومة لم ينتبه إليها أحد وهى أن الجزيرتين غير مصريتين!
اللقاء بدا غريبا ومحيرا، حتى إنه أثار من الأسئلة بأكثر مما قدم من الأجوبة. غرابة اللقاء لا تكمن فقط فى كون «الاكتشاف» الذى توصل إليه كرر على مسامع الجميع وجهة النظر التى تبناها البعض طوال الأشهر الثلاثة الماضية. ثم إنه بدا مشوها ومنقوصا لأنه حشد أصواتا تمثل وجهة نظر واحدة. وكان الظن أن وزارة الثقافة حين ترعى عملا من ذلك القبيل يفترض فيها أن تدعو أصحاب وجهة النظر المقابلة لعرض أطروحاتهم، على الأقل لكى تتبنى موقفا ثقافيا محترما يطرح الآراء المختلفة على الرأى العام. صحيح أن الندوة كانت سرية بدرجة ما، حيث لم يحضرها أحد من الجمهور، ودعى إليها مندبو الصحف فقط، لتسويقها إعلاميا، لكن النشر الصحفى جاء فاضحا، لأن المتحدثين كانوا ممثلين لصوت الحكومة، وبدرجة ما لأجهزة الأمن. أما الذين تحدثوا فيها فقد كانوا بعض أساتذة القانون فى الجامعات، وأغلبهم من خريجى كلية الشرطة (!) ذلك لأن كلية الشرطة كانت تعطى خريجيها شهادة الليسانس فى الحقوق، لأنهم يدرسون منهج كلية حقوق جامعة عين شمس. وبهذا المؤهل فإنهم ينتشرون بعد تخرجهم فى مختلف المجالات (باعتبار أن الشرطة فى خدمة الشعب!)، خصوصا فى الجامعات والسلك القضائى والدبلوماسى.
من الأمور المحيرة فى ملف الندوة أن موضوع عقدها طرح قبل شهرين على لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة، وقال لى مقرر اللجنة الدكتور محمد نور فرحات إنه حين أصدر قضاء مجلس الدولة قراره فى الموضوع، الذى طعنت عليه الحكومة، فإن اللجنة أرجأت الفكرة على اعتبار أن الأمر لايزال معروضا على القضاء. وكان تقديرها أن عقدها فى ظل تلك الظروف يعد من قبيل التأثير على القضاء، وهو أمر مستهجن وغير مقبول. من ثم فإن لجنة القانون صرفت النظر عن الفكرة آنذاك. أضاف الدكتور فرحات أنه فوجئ بدعوة الوزارة إلى عقد الندوة، وحين استعلم عن مدى صحة الخبر، قيل له إن التعليمات صدرت بذلك من مكتب الوزير. حينئذ طلب الدكتور فرحات من مدير مكتب الوزير إبلاغه بأنه قرر الاستقالة من رئاسة لجنة القانون ومن عضوية المجلس الأعلى للثقافة.
من الناحية العلمية لم يكن هناك جديد فيما قيل، فضلا عن أن كل ما قيل عن خرائط ووثائق مردود عليه بخرائط ووثائق أخرى معارضة بقوة. لكن أسوأ ما قيل كان اتهام أصحاب الرأى الآخر بأنهم مغرضون يروجون للأكاذيب لحسابات شخصية. رغم أن جل اعتمادهم على رصيد معتبر من الخرائط التى أثبتتها المراجع العلمية والمراكز البحثية الكبرى فى الولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا. ناهيك عن أن نص المادة ١٥ من قانون البحار، الذى يتجاهله المؤيدون والمصفقون ــ صريح فى تأييد ما ذهب إليه مجلس الدولة. من هذه الزاوية فإن الندوة لم تضف شيئا إلى رصيد بحث الموضوع. وغاية ما يقال عنها أنها ربما أضافت شيئا إلى الرصيد الشخصى لوزير الثقافة.
إذا كانت حصيلة الندوة من الناحية الموضوعية صفرا. فبوسعنا أن نقول إنها كانت بمثابة فرقعة (شو) إعلامى، يستدعى عدة أسئلة فى مقدمتها ما يلى: لماذا دخل الوزير بشخصه على الخط ودعا إلى عقد الندوة التى قررت لجنة القانون تأجيلها؟ ولماذا حشد لها أصحاب الرأى المؤيد وتجاهل الرأى الآخر؟ ولحساب من تمت العملية التى لم تخدم حتى وجهة نظر الدولة المصرية؟ وهل من اختصاص ومسئولية وزارة الثقافة أن تطبع كتابا وثائقيا يؤيد وجهة نظر النظام فى مصر، فى حين أن تلك مهمة تدخل فى صلب اهتمام مصلحة الاستعلامات؟
فى الخبرة السعودية أن مندوبى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كانوا يسجلون أسماء المتخلفين عن صلاة الفجر فى المساجد، لمساءلتهم ولفت انتباههم. وأخشى أن يكون البعض عندنا قد اقتبس الفكرة لتطبيقها فى الساحة السياسية، بحيث تسجل أسماء المتخلفين عن أداء «واجب» التهليل فى كل مناسبة (لا تستغرب ففى كوريا الشمالية أعدم مسئول لأنه لم يصفق كما يجب أثناء خطبة ألقاها الرئيس) ــ وهى خلفية تدعونى إلى طرح السؤال الأخير التالى: هل فعلها وزير الثقافة لكى يسجل اسمه فى قائمة المبشرين بالحظوة ــ حتى لا يحسب عليه أنه لم يصفق فى المشهد بدوره كما يجب؟!
أضف تعليقك