صمت الشيخ محمد حسان فترة طويلة فحمدنا الله أنه سكت، فالسكوت خير من قول الباطل، وليته داوم على فضيلة الصمت، رغم أن الصمت ليس مقبولا كموقف لأهل العلم، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، ولو كان الصمت ديدنهم دائما لحمدناه، لكنهم صمتوا في وقت الانقلاب العسكري، وفي وقت حكم الدكتور محمد مرسي تكلموا بكل ما أحبوا، وبكل حرية، وباسم الانتصار للإسلام، أما الآن فالصمت هو عنوان معظم هؤلاء الشيوخ الذين فتحت لهم الفضائيات في أيام مبارك وحدهم، ليظهروا للناس بنوع من التدين كله مهادنة للحاكم، ليت الشيخ حسان ظل صامتا، فقد كان في صمته حجة في إسكات الناس عنه، وأنه خير من غيره ممن تكلم بالباطل، لكنه للأسف خرج عن صمته بما يعبر عنه الناس بقولهم: سكت دهرا، ونطق كفرا!! فإذ به ينادي بدفع الدية لإغلاق هذا الملف والتصالح التام بين الانقلاب وأهالي الشهداء.
وهناك نقاط أود التعقيب بها على حوار الشيخ حسان، وهي كالتالي:
أولا: الشيخ حسان داعية وليس فقيها، وهذا ما يعلمه كل مختص في الفكر والفقه الإسلامي، فقد عرف ومارس الدعوة والوعظ، وهذا توصيف لا يقصد به الإساءة له أو لمن يقوم بهذا الدور، فهو دور مشكور عندما يلتزم به صاحبه، ولا يتجاوزه لدور أكبر من مؤهلاته، أو استعداده العلمي.
ثانيا: تجاسر الشيخ حسان فتناول أمرا خطيرا من أمور العامة، يحتاج في إبداء الرأي فيه، إلى دراسة متأنية، لا أعتقد أنه مؤهل لها، ففي مثل هذه الحالات يقوم الفقيه بالاستعانة بخبراء في الأمر، من حيث السياسة، ومن حيث الفقه الجنائي الإسلامي، والإجراءات الجنائية القانونية، وكذلك القانون الدولي الجنائي، فقد اشترك الجيش المصري في قتل شهداء رابعة والنهضة وغيرهما، وهو ما تعمد عدم ذكره عبد الغفار شكر في تقرير مجلس حقوق الإنسان في مصر، وذلك – باعترافه – حتى لا يدان الجيش المصري، فالقانون الدولي يجرم اشتراك الجيوش في اعتصامات محلية، فدور الجيوش ومكانها حدود الدول وليس داخلها.
ثالثا: تكلم الشيخ حسان عن الدية للشهداء، بينما نسي أن الدية أمر منوط فقط بولي الدم، وليس متروكا للعامة، ولا للخاصة، فليس من شأن الإخوان ولا قياداتها أن تتفاوض باسم أي ولي دم، ولو تخيلنا – مثلا – أن مرشد الإخوان طالب الإخوان بالعفو والصفح، أو قبول الدية فضلا عن أن هذا مستبعد وليس من حقه، فلا يصح شرعا، فكل دم مرهون برقبة وليه، ولو أن شهيدا، تكونت أسرته من عدد من الورثة، فعفوا جميعا، ورفض واحد فهنا وجب القصاص، فالمسألة هنا مرهونة برضا أولياء الدم، وكل حالة منفردة، وليست مجموعا، ولو أن الشيخ حسان راجع فقه الديات والفقه الجنائي في الإسلام لعلم ذلك، لكنه كما ذكرت بعيد عن المجال، ولذا أتى بالعجائب فقها، والعجائب سياسة.
رابعا: فرق الشيخ حسان بين دم الشعب، ودم الشرطة والجيش، فقبل الدية في دماء الشعب في رابعة وغيرها، بينما عند حديثه عن دماء الجيش والشرطة وقد سأله المحرر: وهل يخرج القتلة من السجون مثلا؟ فأجاب: (لم أقل بذلك، ولا يصح أن أقول ذلك، وما أقوله أن القاتل المتعمد على الدولة أن تستوفي الجزاء منه)، وهو يعلم أن معظم من في السجون ليسوا قتلة، ولا يوجد حالة واحدة من المسجونين السياسيين مثبت عليه حالة قتل، أو شروع في قتل، أو مشاركة في قتل. بينما الثابت على رجال الجيش والشرطة في فض الاعتصامات وما قبله وبعده الولوغ في الدم، قتلا ومشاركة وتحريضا، وتسترا على القاتل.
وأخيرا: لقد قدم الشيخ حسان خطابا يسيء للشرع، ويقدم الشرع للناس على أن دماء الناس درجات وطبقات، فهناك طبقات يدفع فيها المال ليسكت الناس عن حقها، بينما هناك طبقة فوق كل الناس، لا يتساهل الناس في حقها، وهي دماء الشرطة والجيش، بينما الشعب فيمكن أن يتبرع الخليجيون ترضية لأهل الشهيد عن دمه؟! في أي مذهب فقهي، أو كتاب أو سنة وجدت هذا التفريق يا شيخ حسان؟! وحواره مملوء بما يحتاج للرد، لكن كفاني الرد من حيث شهادته من حضر الحدث، والرد العلمي الشرعي في محاور أخرى رد عليه من رد مثل الدكتور عطية عدلان حفظه الله وبارك فيه.
والدرس الأهم في صمت حسان وأمثاله، ثم كلامهم بما يضر ولا ينفع، هو ما نردده دائما في مثل هذه الحالات: ليته سكت.
أضف تعليقك