• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

في غضون أيام قليلة صرنا أمام مشهدين يعبران عن إدانة فاضحة لمنظومة الانقلاب في التعامل مع حقوق إنسانها، وقع هذان المشهدان ليدُلّلا على أن المنظومة الانقلابية تستخف بأبنائها ولا تقيم وزناً للإنسان أو المواطن فيها. هذه موظفة لا تملك إلا راتبها وتعول والدتها المريض، راتبها لا يكفي بالكاد إلا لعلاج أمها، حكت حكايتها على شاشة إحدى الفضائيات لتعلن عن ضيقها وعجزها عن القيام بواجبها حيال والدتها. وفي مشهد ثان رأينا صبيا صغيرا عمره ثلاثة عشر عاماً، ركب البحر حاملاً بعضا من تقارير طبية عن حال أخيه المريض مرضاً خطيراً، قام الفتى بإلقاء نفسه بين أمواج عاتية لعلها تصل به إلى إحدى الشواطئ الأوربية، ووصل الصبي وعرفت حكايته وانتشرت في إعلام إيطاليا كحالة تفضح هذه المنظومة في عدم الاعتداد بأبنائها والاستخفاف بحياتهم، سواء ذلك الطفل الصغير ذو المرض الخطير أو ذلك الصبي الذي اندفع بالوفاء لحالة أخيه المرضية، ليركب البحر وما أدراك ما البحر، أمواج عاتية وقارب صغير ومخاطر هائلة، تدافعه الأمواج لعله يصل إلى الشاطئ حاملاً بعض التقارير الطبية حول خطورة مرض أخيه.

في خلفية هذين المشهدين سنرى هذه المنظومة التي تجبّرت على أبناء مصر وتعاملت مع دمائهم بالاستهانة الكافية، ومع أرواحهم بالاستخفاف الفاجر ومع حياتهم وكأنها لا تساوي شيئاً ولا تجد اهتماماً، في ظل هذه الحال انفضحت منظومة الظلم التي لم تعد تهتم بأبنائها إلا في إطار يطالبهم ببذل المزيد والتحمل بلا نهاية والتقشف بلا حد، بل ويفرضون عليهم كل أنواع الضرائب والجباية، وترتفع الأسعار لينهش ذلك الغول أحشاءهم ويستثير جوعهم، وفي المقابل يتنعم هؤلاء الظلمة بزيادة الرواتب والبدلات، والزيادات والمعاشات، ويتحدثون عن هؤلاء وكأنهم شعب مسرف احترف التبذير، يحيلون عليهم أزمة الوطن، فقط عليهم أن يتحملوا ويشدوا الحزام على بطون خاوية رغم تلك الأسعار العالية، والمرضى لا يجدون الدواء أو التطبيب ولكنهم مهملون في منظومة صحة تدهور حالها وانحدر أداؤها لا تنجز خدمة.. فيها المرضى لا يجدون مأوى أو رحمة.

هذه هي الحال في سياقها، فكان المشهد مشهد الشكوى الباكية ومخاطرة الصبي بحياته في عرض البحر. كان هذا وذاك مجرد نموذجين لحالة الظلم الفاضح التي تقع على كثيرين على أرض الوطن، لا يملكون إلا التأوه أو المخاطرة بحياتهم، ومن المؤسف حقاً أن يكون رد الفعل لهذه المنظومة الظالمة الفاجرة المستخفة بأرواح الناس بعد تلك الفضائح أن تصطنع صورة زائفة أنها رحيمة بأبنائها، تبذل في ذلك غاية جهدها في التغرير والتزوير، ففي المشهد الأول اتصل من اتصل من المسؤولين ليبشّر هذه الفتاة بأن الدولة قد قررت معالجة أمها على نفقتها، بدا ذلك الأمر في إطار من يستر عورته بعد أن فقد هؤلاء كل طريق لإقامة أودهم أو مواجهة أمراضهم، برزت تلك المنظومة الظالمة لتستر فضيحتها، وكأن ما افتضح من أمرها ليس إلا عورتها الوحيدة، والحقيقة على غير ذلك.. إن حالة الفتاة وأمها تعدّ بالآلاف، بل بمئات الآلاف ممن لا يجدون عوناً أو معيناً.

وفي المشهد الثاني بعد أن بلغ هذا الصبي بعض مأمنه، وعُرفت قصته وانفضحت حالة الظلم المفجعة والفاجرة في حكايته، وانتشرت أنباء الصبي وأخيه وأهله على صفحات الجرائد الإيطالية بدعوة علاجه على نفقة إيطاليا، وهنا امتشق المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية سلاح البيان بفائض الكلام، قائلاً بعد أن قررت السلطات الإيطالية استقدام الطفل المريض وأهله، قال الهمام بعد أن امتشق حسام الكلام، "الدولة أولى بأبنائها"، أراد بهذه الكلمة أن يطلق كل أغطية الدخان على فضيحة النظام الذي لم يعد يلقي بالاً لأبناء مصر، وحينما انفضحت أموره خرج بهذا البيان يقول وبملء فيه إن الدولة أولى بأبنائها وإنها تسهر على راحتهم وقادرة على أن تعالج عللهم.

يا هذا أنت ومنظومتك الانقلابية؛ لماذا لم تفعل ما فعلت حينما احتاج هؤلاء وحينما صرخوا واستغاثوا، وحينما بكوا وأصابهم الغم والحزن، وحينما ركب صبي صغير البحر مصادفا أهوال الخطر، أين كنت؟، أكنت من النوام أم من هؤلاء اللئام ممن احترفوا التعبير بفائض الكلام ممن يروجون الأحلام ويبيعون الأوهام، أين كنت وأنت تتحدث عن الدولة "أولى بأبنائها" مدعيا مزيفا؟

ماذا فعلت بالأبناء؟ وماذا أحدثت بالشباب؟ ألم تطاردهم وتعتقلهم بل وتقتلهم؟ أجواء رابعة والنهضة والمجازر قبلها وبعدها تدينك!! ألم يكن نظامك الانقلابي ودولتك أولى بأبنائها حينما فعلت كل ذلك فأراقت الدماء وزرعت الكراهية وقتلت بدم بارد، وحرقتهم بالنيران وخنقتهم بالغاز والدخان، أتتذكر من كانوا في عربة الترحيلات ومن أطلقت عليهم الرصاص، أمام الحرس الجمهوري والمنصة ومن أطلقت عليهم كل أنواع الحمم من طائراتك في أحداث رمسيس، وقمت بكل فعل مجرم ومشين في حق أبناء الوطن، وبعد ذلك تقول ممثلا نظامك الانقلابي بكل بجاحة وتناحة "الدولة أولى بأبنائها"؟

يا هذا ماذا فعلت وتفعل بالأبناء؟! مرة أخرى امتشق الهمام المتحدث باسم الخارجية حسام الكلام وفائض القول والكلام، يقول لو أن الصبي اتصل بمسؤوليه بدلاً من تلك الرحلة الشاقة والخطرة لكان قد قصر الطريق، هكذا يقول وعدا بالأوهام ومعسول الكلام، أذكرك بهؤلاء الذين اتصلوا بعد أن تاهوا في صحراء مصر ولم تغثهم أي طائرات أو تنقذهم، فقط لأنهم ليسوا أجانب بل مصريون لا وزن لهم ولا قيمة، حاولوا الاتصال، ولكنهم قضوا في النهاية لأن هذه المنظومة الفاجرة لا تقيم أي وزن لأرواحهم ولا لمعنى الإنسان فيهم.

بدا هؤلاء يتحدثون، ليتهم يسكتون، لكنهم للأسف يتبجحون، إن هذا الصبي الذي ركب الخطر لو كان اتصل فلن يكون له من مجيب، جربنا عليكم ذلك، فإذا كنتم تقتلون الآمنين، فهل تهتمون بالمرضى والمعوزين؟ إنكم لا تهتمون لأي أمر إلا أن تطلقوا سحب الدخان لستر فضائحكم التي بانت وفاحت، أنتم لا تقيمون وزناً لكرامة إنسان ولا لحقوق مواطن ولا لإغاثة ملهوف، لم تعودوا تحسنون إلا القتل والاعتقال والمطاردة، من لم يمت بالرصاص مات بغيره من جوع أو مرض، هذه إيطاليا قالت على ابن من أبنائها "عابر سبيل" عذبوه وقتلوه كما لو كان مصرياً، ثم بعد ذلك طعنوا فجرة الانقلاب وتقدموا إلى علاج هذا الطفل بعد هجرة أخيه هجرة غير شرعية، وعاملوه كما لوكان إيطالياً.

يا هؤلاء حينما تعرفون معنى الإنسان وكرامة كل كيان، وحقيقة كل عمران، يقوم على قاعدة من القيم بميزان، فستعرفون أين أنتم من كل ذلك؟! إنكم قمة الطغيان، وحركة ظلم بإمعان، والظلم مؤذن بخراب العمران. فماذا فعلتم بحق حتى تكون دولة انقلابكم أولى بأبنائها واحترام كرامة المواطن وقدسية حرمة الإنسان؟!!.

أضف تعليقك