سيد قطب شهيد القرآن والتفسير والعقيدة والدعوة والبلاغة والأدب، عاش فى ظلال القرآن الوارفة وعشق كتاب الله، فأبدع فى ترجمة ما فهمه منه إلى سلوك عملي حي يتحرك به ويدعو الناس إليه، وقد خدم الإسلام من خلال القرآن العظيم والسنة النبوية المطهرة.
كانت قضية العقيدة عند الشهيد سيد قطب قضية لا تقبل المساومة، وكم حاول الطغاة أن ينتزعوا منه اعترافا واحدًا بشرعية حكم الطاغية لكنه أبى، وهذه سمة رجال العقيدة على مدار التاريخ منذ أن صدع بها محمد بن عبدالله فى بطحاء مكة، قائلا لعمه أبى طالب: ((يا عم .. والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)).
ومن بعده.. صدع بكلمة الحق وثبت عليها الإمام أحمد فى فتنة خلق القرآن، وسلطان العلماء العز بن عبدالسلام وابن تيمية وغيرهم كثيرون من رجال العقيدة الصحيحة.
ولقد كانت بعثته إلى أمريكا نقطة تحول مهمة فى حياته، وسببا فى انتمائه إلى جماعة الإخوان المسليمن، حيث أثارت فرحة الأمريكيين باستشهاد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان فضوله للتعرف على تلك الجماعة عند عودته لمصر ليصبح بعد ذلك أحد العلامات الفارقة في تاريخ الجماعة.
وقد تعرض للمحن مثل بقية أفراد الجماعة وخلال محنته في سجون عبدالناصر أتم تفسيره الشهير"في ظلال القرآن" وكتاب "معالم في الطريق" و"المستقبل لهذا الدين".
ولقد جسد الشهيد سيد قطب جهاد الكلمة في مقاومة الطاغية كما رسمها المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الجهاد كلمة عدل))، (وفي رواية: حق) عند سلطان جائر، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)).
كما أن الشهيد سيد قطب كان صورة صادقة لما يدعو إليه وما يتبناه من أفكار؛ حيث يقول: قليل هم الذين يحملون المبادئ، وقليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من أجل تبليغ هذه المبادئ، وقليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم من أجل نصرة هذه المبادئ والقيم، فهم قليل من قليل من قليل.
وقد واجه الشهيد سيد قطب الطغاة بكلمات قاسية كاشفاً زيفهم حيث يقول: ما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة، ولا سلطاناً، وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيجر، وتحني له رؤوسها فيستعلي، وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى.
ويتوجه بخطابه إلى أفراد الأمة الذين يظنون أن النصر قد يتأتى بدون بذل أو عطاء حيث يقول: قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً.
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولا غالياً، لا تبذله هيناً رخيصاً في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها دون سند من الله لا تكفل النصر.
إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.. قد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء.
سار شهيد القرآن "سيد قطب" على طريق العقيدة والدعوة إليها، والصدع بكلمة الحق فى وجوة الطغاة، كما تروى السيدة حميدة قطب شقيقته عن مساومته لكتابة بضع كلمات وبعدها ينتهى كل شيء، فقط أن يقول "إن هذه الحركات كانت على صلة بجهة ما" وبعد ذلك تنتهى القضية وسيفرج عنه بعفو صحي.
وتقول واستطعت أن أُفهمه بالإشارة أنهم هم الذين يقولون ذلك، وهنا نظر إليّ وقال: والله لو كان هذا الكلام صحيحا لقلته، ولما استطاعت قوة على وجه الأرض أن تمنعنى من قوله، لكنه لم يحدث.. وأنا لا أقول كذبا أبدا.. وإنهم لا يستطيعون ضراً ولا نفعاً.. وأن الأعمار بيد الله، وهم لا يستطيعون التحكم فى حياتي ولا يستطيعون إطالة الأعمار ولا تقصيرها.
ولقد أعلن الحرب على الذين يضعون القوانين لتنظيم حياة الناس بعد أن نحوا شريعة الله جانباً، قائلا لهم في شجاعة وثبات: كلّ من ادّعى لنفسه؛ حقّ وضع منهج لحياة جماعة من الناس فقد ادّعى حق الألوهية عليهم.
بمثل هذه الروح وهذه العقيدة واجه الشهيد سيد قطب الجلادين وأحكامهم الجائرة.
إنها العقيدة إذا تمكنت من نفس المسلم فإنها تصنع المعجزات، ومن المفارقات العجيبة أنه وبعد نصف قرن على استشهاد سيد قطب يقف الدكتور محمد بديع أحد تلاميذ الشهيد سيد قطب أمام قضاء الانقلاب قائلاً: والله لو أعدموني ألف مرة.. فلا أنكص عن الحق أبدا، إننا لم نكن نهذي حين قلنا إن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا.
ولقد كان من ضمن الاتهامات التى وجهتها له المحكمة أنه متهم بمحاولة قتل عبدالناصر فقال: بكل ثقة "إن قتل عبدالناصر هدف تافه، إنما نريد أن نُربي أمةً لا يخرج فيها أمثال عبدالناصر".
وكم حاول زبانية عبدالناصر استمالته ليمتدح الطاغية ولو بكلمة تأييد واحدة لكنه أبى قائلا: "إن السبابة التي ترتفع لهامات السماء موحدة بالله عز وجل لتأبى أن تكتب برقية تأييدٍ لطاغية ولنظامٍ مخالفٍ لمنهج الله الذي شرعه لعباده".
وفى يوم تنفيذ الإعدام وبعد أن وضعوه على كرسي المشنقة طالبوه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة، ويتم إصدار عفو عنه، فقال: لن أعتذر عن العمل مع الله.
رحم الله شهيد القرآن سيد قطب.. الذى عاش في ظلاله واعترف من معينه حتى قال: إن الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها.
أضف تعليقك