• الصلاة القادمة

    الظهر 11:01

 
news Image
منذ ثانية واحدة

أعلن جهاز الإحصاء أول أمس بلوغ نسبة التضخم (ارتفاع الأسعار لدى محلات التجزئة) نسبة 1.46% خلال شهر أغسطس من العام الحالى، بالمقارنة بمستوى الأسعار للسلع والخدمات بنفس الشهر من العام الماضى، وهو معدل لم يحدث منذ ديسمبر 2008.


كما بلغت نسبة زيادة أسعار الطعام والشراب أكثر من 20% خلال نفس الفترة، إلا أن تلك النسب المرتفعة لم تلق قبولا، سواء لدى الخبراء الذين يتحفظون على طريقة تجميع بيانات الأسعار، والتى تحتوى على كثير من الأسعار الحكومية التي لا تتغير، وكذلك لدى الأوساط الشعبية التي ترى أن النسب الحقيقية لارتفاعات الأسعار تفوق ذلك كثيرا. 

وبينما دول الاتحاد الأوربى تضع سقفا لمعدل التضخم السنوى بدولها يبلغ 2%، فقد أشار جهاز الإحصاء المصري لبلوغ نسبة التضخم 2% خلال شهر أغسطس، بالمقارنة لشهر يوليو من العام الحالى، أى خلال شهر واحد وليس سنة كما يرى الاتحاد الأوربى.

وحتى تلك النسبة الشهرية المرتفعة لا تجد قبولا لدى الأوساط الشعبية، حيث ذكر جهاز الإحصاء أن أسعار الفاكهة والدواجن والألبان والجبن والبيض قد انخفضت في أغسطس عما كانت عليه في يوليو! 

أسباب متعددة للارتفاعات 
ويظل السؤال المعروف إجابته لدى الكثيرين، لماذا ارتفعت الأسعار خلال العام الحالى بتلك المعدلات القياسية؟ وتتعدد العوامل والتى كان منها الأسعار الاسترشادية التي حددتها الجمارك لبعض السلع المستوردة، والتى تزيد عن الأسعار المذكورة في فواتير المستوردين، مما زاد من تكلفة جماركها وبالتالى تكلفة استيرادها.

ثم كان قرار زيادة الجمارك على أكثر من 600 سلعة، إلى جانب التضييق على المستوردين، مما قلل البضائع بالسوق المحلية وبالتالى زاد ثمنها، وكان التدهور في قيمة الجنيه المصري أمام كل العملات الأجنبية، سببا رئيسيا في ارتفاع الأسعار في ضوء استيراد أكثر من 60% من الغذاء، إلى جانب المواد الخام والوسيطة والآلات والمعدات ووسائل النقل وغيرها.

كذلك زيادة أسعار الفائدة ثلاث مرات خلال أقل من عام، مما زاد من تكلفة اقتراض الشركات، أيضا تدنى التصنيف الائتمانى لمصر مما يزيد من تكلفة التأمين على البضائع المستوردة، ويضاف لذلك الاحتكار لاستيراد العديد من السلع، والذى أصبحت جهات سيادية تشارك فيه، وزيادة أسعار الكهرباء والعديد من الخدمات الحكومية مثل الخدمات بالموانىء.

ويظل السؤال البارز لدى الجمهور، هل يتوقف طوفان الأسعار بعد كل تلك الزيادات؟، خاصة وأنهم سمعوا العديد من الوعود في هذا الصدد، منها الوعد الرئاسى بخفض الأسعار بنهاية نوفمبر الماضى، ثم تأجيل الموعد لنهاية ديسمبر الماضى، ثم وعود ثبات الأسعار التي تم إعلانها في أواخر أبريل الماضى، وبعدها استمرت الأسعار في الزيادة. 

علاج تقليدى غير مجدى
والإجابة المباشرة أن طوفان زيادات الأسعار سيستمر، وذلك لأسباب محلية وأخرى دولية، فمن الأسباب المحلية بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة أول أكتوبر القادم، والاتجاه لخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية استجابة لطلب صندوق النقد الدولي، والتجهيز لزيادة العديد من الرسوم التي تحصلها الجهات الحكومية مقابل ما تقدمه من خدمات.

واستمرار صعوبات تمويل المشروعات الخاصة مصرفيا بسبب تفضيل البنوك تمويل الحكومة المتوقع استمرار كبر حجم العجز بموازنتها لسنوات قادمة، كذلك الاتجاه لزيادة سعر الفائدة بالبنوك، كما أن هناك ضغوطا من صندوق النقد الدولي لزيادة أسعار المنتجات البترولية. 

أما العوامل الخارجية فتتمثل في اتجاه أسعار عدد من السلع الغذائية إلى الارتفاع بالأسواق العالمية، بعد أن ظلت تتجه للانخفاض لشهور عديدة، فها هو السكر يتجه منذ شهر مايو الماضى وحتى أغسطس للارتفاع، حتى بلغت نسبة ارتفاعه خلال عام 75%.

كذلك اتجاه أسعار زيوت الطعام للارتفاع حتى بلغت نسبة ارتفاعها ما بين أغسطس من العام الحالى والماضى 25%، كذلك منتجات الألبان التي تتجه للارتفاع منذ شهر مايو الماضى وبلغت نسبة ارتفاعها خلال عام12%، وهكذا زاد مؤشر أسعار الغذاء الذي تعده منظمة الأغذية والزراعة 7% خلال عام مع تراجع أسعار الحبوب، وهو أعلى مستوى له منذ مايو من العام الماضى. 

وخارج السلع الغذائية أشارت بيانات البنك الدولي إلى زيادة أسعار الفحم وبعض المعادن مثل الزنك والقصدير والذهب والفضة خلال العام الحالى بالمقارنة لأسعارها خلال العام الماضى، كذلك زاد سعر القطن وبعض نوعيات الأخشاب. 

والغريب أننا نعالج المشكلة بنفس الأساليب المتبعة منذ عدة سنوات من خلال المزيد من الاستيراد لزيادة المعروض، ودعم السلع الغذائية الرئيسية، ورفع الفائدة بالبنوك أملا في الحد من الطلب على السلع وتقليل السيولة، لكنه دواء لمرض مختلف، فنوع التضخم لدينا مصدره زيادة تكاليف إنتاج السلع، وليس زيادة الطلب، وبالتالى فإن زيادة الفائدة تزيد التكلفة والتضخم ولا تعالجه. 

الديمقراطية والإنتاج هما الحل 
الاتحاد العام للغرف التجارية أعلن تنازل السلاسل التجارية عن هامش الربح، على السلع الأساسية بمناسبة عيد الأضحى متضمنة السكر والأرز والزيت واللحوم، بالإضافة إلى مبادرات فردية لسلع أخرى مثل المكرونة والصلصة. 

وكما هو واضح فإن الأمر قاصر على عدد قليل من السلع، ومرتبط بموسم عيد الأضحى، والمهم أن تلك السلاسل تستورد وتشترى السلع بأسعار عالية وليست منتجة لها، وبالتالى فهى ستضيف الزيادات التي تحملتها رغما عنها مثلما حدث لسعر السكر وغيره بها. 

ولكن ما هو المخرج إذن؟ فشعبية الجنرال تراجعت كثيرا بسبب ارتفاعات الأسعار، وسمعة الحكومة في الحضيض لنفس السبب، والحقيقة أن العلاج لمشكلة الأسعار يتطلب حلولا اقتصادية وسياسية معا وليست اقتصادية فقط.

فالأمر يحتاج إلى مناخ ديمقراطي طبيعى يشجع على الاستثمار المحلى والخارجى، ما يزيد المعروض من السلع والخدمات، وهو أمر صعب تحقيقه في ظل الاحتكار الذي تمارسه جهات سيادية وغير سيادية، والتغول الاقتصادى لجهات تابعة للجيش، مما يخل بقواعد التكافؤ في تنفيذ المشروعات. فمع المناخ الديموقراطى والاستقرار السياسى والأمنى وسيادة القانون، سيعود الاستثمار والسياح لتزيد العملات الأجنبية التي نستورد بها السلع، وسيشارك الجميع من كل الأطياف في الإنتاج، والذى تعد زيادته محليا السبيل الرئيسى لاستقرار الأسعار، وبدونه سنظل ندور في نفس الحلقة من الارتفاعات السعرية لسنوات قادمة.

 

أضف تعليقك