هذا هو العيد السابع الذي لم ألتق فيه بكم بعد أن فرق السجان بيني وبينكم، سبعة أعياد قضيتموها في ظلمة الزنازين وقضيتها في ظلمة الغرية، لكن ظلمة زنازينكم هي الأقسى بلا شك، سبعة أعياد حرمتم فيها من مداعبة أطفالكم وشراء الهدايا لهم، كما حرمتم وحرمنا معكم من معايدة أهلنا وذوينا، وجيراننا ومحبينا، لم نفعل ذلك برغبة منا، بل سجنتم أنتم وأخرجنا نحن من ديارنا وأموانا بغير حق، إلا أننا قلنا الحق وتمسكنا به، فكان الثمن -وما أرخصه - في سبيل الحرية والكرامة والعزة، ليس لنا فحسب، ولكن لعموم الشعب، بل لعموم الأمة.
ستون ألف أو يزيدون، يقضون العيد في زنازينهم، ليس لأنهم لصوص أو فاسدون، أو قتلة، بل لأنهم واجهوا هؤلاء اللصوص والفاسدين والقتلة والغاصبين، بين هذه الآلاف المؤلفة عشرات الصحفيين الذين يشرفون بحق مهنة الصحافة، ويغسلون العار الذي لحقها من غيرهم ممن باعوا أنفسهم للسلطة وللمال، وأصبحوا عبيدا لهما، واستخدموا أقلامهم ومايكاتهم وكاميراتهم للتحريض على قتل الشعب وتقسيمه وإذلاله وتطويعه.
في هذا العيد كما في كل عيد سبق لن ننساكم ..فمن ينسى مجدي أحمد حسين صاحب القلم الجريء الذي ورثه عن أبيه أحمد حسين وعمه عادل حسين وخاله حلمي مراد، من ينسى محسن راضي صاحب الصولات والجولات في البرلمان أيام مبارك وبعد الثورة؟ من ينسى هشام جعفر رمز الوسطية والاعتدال وصاحب مشاريع الحوار؟ من ينسى هاني صلاح الدين مطفئ الحرائق الإعلامية عبر برنامجه (180 مطافي)، وعبر مقالاته في اليوم السابع التي كان مديرا لتحرير موقعها؟
من ينسى أحمد سبيع مراسل قناة الأقصى في القاهرة ونقله الحي للفعاليات المختلفة بمهنية وعاطفة تسبق صوته؟ من ينسى حسن القباني مؤسس حركة صحفيون من أجل الإصلاح، والناشط النقابي الذي لم يترك مظلوما إلا ناصره؟ من ينسى إبراهيم الدراوي المسكون بالقضية الفلسطينية الذي أسس لها مركزا بحثيا، ثم دفع الثمن تهمة بالتخابر مع الأشقاء؟
من ينسى محمود شوكان الذي صدق أن الشرطة ستسمح بتغطية حرة لفض رابعة، وذهب بكاميرته ليغطي الحدث فإذا به بين المتهمين؟ من ينسى عبد الرحمن شاهين مراسل السويس الذي ولد طفله الوحيد وكبر ونطق اسمه وهو داخل محبسه؟ من ينسى عمر عبد المقصود صاحب الصورة التي هزت الدنيا للمعتقلة دهب التي وضعت طفلها وهي مقيدة بسرير الاعتقال؟ من ينسى مسعد البربري زعيم التحدي الذي أسس قناة خلال يومين حينما أغلقت قناة مصر 25، ثم أسس قناة أخرى خلال أيام قليلة في بيروت حين سدت الأبواب في وجهه في مصر؟ طبعا لن ننسى أي معتقل صحفيا كان أو غير صحفي؛ فالجميع دعاة حرية وكرامة وعزة لم يطلبوها لأنفسهم فقط، بل للشعب كله، وحق على هذا الشعب أن يتذكرهم وهو يحتفل بعيد التضحية والفداء، فهم المضحون من أجل وطنهم وهم المفتدون لشعبهم.
لن ننسى أولئك الذين يتألمون بسبب تعذيبهم، أو لإضرابهم عن الطعام احتجاجا على سوء معاملتهم وتلفيق القضايا لهم، ولن نسكت على ما يحدث معهم، ومنهم خالد سحلوب وإسماعيل الإسكندراني ومحمود السقا، ومحمود البريري، وغيرهم وغيرهم فالقائمة طويلة.
لن نتوقف عن الطريق الذي سلكناه معا، من أجل وطن حر وشعب كريم، من أجل شعارات رفعناها معا في ميدان التحرير وغيره من الميادين عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية، ومن أجل شهداء سبقونا على هذا الطريق وجادوا بأرواحهم من أجله.
نشعر بغضبكم ولومكم على من كنتم تتوقعون منه الوقوف إلى جانبكم، بحكم صداقة أو زمالة، أو حتى مجرد معرفة، لكننا نذكركم بأنكم لستم أقل منا وعيا بطبيعة هؤلاء الجبناء والمنافقين، الذين يظهرون دوما خلاف ما يبطنون، والذين يميلون مع كل ريح حيث مالت، ومع كل شمس حيث دارت، ومع كل دينار حيث ظهر، ولتعلموا أن الكثير من زملائكم لايزالون يقدرون تضحياتكم ودفاعكم عن حريتهم، حتى وإن لم يتمكنوا من التعبيرعن ذلك بشكل علني خشية البطش، ولكننا في المقابل نقول لهؤلاء الزملاء إن صمتكم يغري الطغاة بحبس المزيد وقد تكونون منهم، كما أن صمتكم يغريهم بغلق المزيد من القنوات والصحف والبرامج وقد تكون قنواتكم أو صحفكم منها، وصمتكم يغري بفرض المزيد من القيود على حرية الصحافة، وفرض المزيد من قرارات حظر النشر، وأنتم ستدفعون ضريبة ذلك في صدود القراء والمشاهدين عن متابعة قنواتكم وشراء صحفكم، ليصبح الطريق ممهدا لفصلكم والتخلص منكم.
ثقوا أيها الأحرار أن صوركم لا تفارقنا، وثقوا أن همهماتكم وخلجات صدوركم تصل إلينا، وثقوا أننا على العهد باقون، وبالأمانة قائمون، ولأبنائكم راعون، ولسجانيكم محاسبون، ولمعذبيكم ملاحقون، ولن يهدأ لنا بال إلا بخروجكم مرفوعي الرؤوس، موفوري الكرامة، ومعكم الوطن كله، وعيدكم حرية، وإلى ملتقى خارج الأسوار في عيدنا المقبل إن شاء الله.
أضف تعليقك