روى أحد المعتقلين في سجن “العقرب” شديد الحراسة في القاهرة، في رسالة مسربة، مشاهد من المعاناة اليومية التي يلقاها النزلاء داخل أسوار السجن الذي يعتبر بحسب كثير ممن احتجزوا فيه “مقبرة”.
وحصل “العربي الجديد” على الرسالة، التي كتبها المعتقل على قطعة من “الكارتون” لعدم توفر الأوراق في السجن، والتي تم تسريبها بشكل سري، وتوقيعها باسم مستعار حرصاً على عدم تعرض المعتقل للمزيد من التنكيل.
المشهد الأول، بحسب المعتقل الذي لقب نفسه بـ”عياش الأسير”، جاء بعنوان “واللات والعزى اللي هيفتح بقه بكلمة للإعلام هيشوف اللي هيحصل فيه إيه”.
وقال المعتقل، إن “هذه الجملة ليست مقطعاً في فيلم سينمائي قديم لأحد كفار قريش، بل قسم اعتاد (الباندا) كما أحب أن أسميه، وهو رئيس مباحث سجن العقرب، أن يُسمعه للمعتقلين عند تهديدهم؛ دليلاً على جبروته وعدم خوفه حتى من الله، وأنه قادر على الفتك بهم دون محاسبة ولا خوف من أحد”.
وأضاف المعتقل “هذا العلج الذي بلغ من العمر بضعة وثلاثين عاماً. امتد كرشه أمامه واستخدمته الدولة ومصلحة السجون ليظهروا الوجه الخشن للمعتقلين في سجن العقرب، دائماً تسمعه يقول (أنا لا بموت ولا بتنقل، ادعوا عليّ يمكن ربنا يستجيب لكم، وابقوا تفوا علي قبري لو شفتوا الشارع تاني)”.
ويتابع “هذا المعتوه الذي سجن تحت يديه نخبة المجتمع من شباب وعلماء ومجاهدين وأساتذة جامعات وطلاب وشيوخ ورجال أعمال، اختار لنفسه اسما لا تعلم إذا كان اسمه الحقيقي أم لا (حسن البنا)، هو أراد أن يُمعن في الأذى للمنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين بأن يكون المشرف على تعذيبهم اسمه البنا، هذا المفتون بالهالك حمزة البسيوني (قائد السجن الحربي في عهد جمال عبدالناصر)، انتهك كل ما يمت بصلة لحقوق الإنسان، فسبّ وعذب وسحل وتحدى الله وداس المصحف بقدميه. ننتظر كلنا في السجن أن يصيبه الله بعذاب من عنده كما أصاب سابقه البسيوني جلاد السجن الحربي”.
المشهد الثاني حمل عنوان “الزنزانة الانفرادية”، وكتب عنها المعتقل “كان أول موعد لي معها بعد أول 5 أيام من التحقيق، اعتمد المحقق سياسة الحرمان من النوم بعد أيام من ألوان التعذيب المختلفة من صعق وضرب وخلافه، حتى أيقن الجلاد أنني شارفت على الهلكة، فقال خذوه إلى الزنزانة، وقعت الكلمة عليّ وكأنه يقول: خدوه للجنة”.
ويتابع “الزنزانة تعني، في ذلك الوقت، النوم أولاً، ثم البعد عن التعذيب. اقتادني أحدهم لمكان، فدخلنا لألمح من تحت عصابة العين رجلاً خمسينياً ضخم الجثة. تلقاني هذا الجلاد بغلظة شديدة وبدأ التعذيب، وبعد أن فرغ الحارس من تعذيبي نادى أحدهم: (ودي ابن … الفندق بتاعنا).
ويضيف “سمعته وهو يكلم الجندي فدبّ اليأس في قلبي أن أصل إلى الزنزانة، وظننت أنها كلمة ترمز لنوع جديد من التعذيب إلا أنها كانت زنزانة، دخلت مكاناً مغلقاً لا أسمع فيه إلا صوت الكلاب الشرسة وأصوات صعق الكهرباء وصراخ المعتقلين الآخرين تحيط بي من كل مكان، لم أعبأ بكل هذا، فألقيت بنفسي على الأرض لأغط في نوم عميق، لأستيقظ لأجد نفسي في غرفة 1.40 متراً في 1.40 متراً”.
“لم تحتويني الغرفة ممدد الجسم، فتكومت ضامّاً ركبتي إلى صدري، وليس في هذا المكان مصدر للإضاءة إلا (شراعة) في أعلى الحائط عليها أسلاك شائكة وحديد، وجدت زجاجة بها ماء فأردت أن أتوضأ بها وبعد أن سكبت الماء على يدي علمت أن هذه الزجاجة لقضاء الحاجة، هذه الزنزانة بكل ما فيها هي الجنة التي وصلت إليها وتمنيت أن أبقى فيها ولو قليلاً لأريح جسدي المنهك، ولكن كل آمالي ذهبت أدراج الرياح بعد ما سمعت الجلاد يناديني لتبدأ الجولة الجديدة”، وفقاً لروايته.
“اللقاء الثاني بالزنزانة الانفرادية”، كان عنوان المشهد الثالث في رسالة المعتقل، وقال فيها “اللقاء الثاني كان عند نهاية التحقيق والانتقال إلى سجن العقرب شديد الحراسة، ولأن جهة التحقيق صنفتني شديد الخطورة، فكان قدري الذهاب إلى عنبر الإعدام، ليتم عزلي عن كل شيء وتعذيبي في نفس الوقت، هذه الزنزانة لا تختلف عن سابقتها كثيراً، فهي خرسانية 3 أمتار في 2.5 متر، لا يوجد بها أي منفذ للتهوية إلا فتحة في باب الزنزانة مغلقة دائماً إلا عندما يدخل لك الشاويش التعيين (طعام السجن) منها ثم يغلقها. وليس بها أي مصدر للإضاءة وبها (حمام بلدي) أو إن صح التعبير فهي كلها حمام وحنفية ماء نادراً ما يوجد بها ماء”.
ويصف المعتقل الزنزانة الانفرادية الثانية: “هي هذه العلبة الصخرية شديدة الحرارة صيفاً حتى لا تطيق ملابسك؛ شديدة البرودة شتاء حتى تكاد أطرافك تتجمد، في هذا المكان الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة أمضيت أياماً وشهوراً؛ وهنا أمضى من بجواري ما يزيد عن العامين لا يبرح هذه الزنزانة في هذه الظروف الشاقة في انتظار أن يعلق على أعواد المشانق كما علق عليها ساكنو هذا المكان من شهداء عرب شركس، أو يأتيه الفرج، في أي وقت، في بلد قامت بها ثورة يوماً ما”.
أما الرسالة الأخيرة، والتي حملت عنوان “كوكب العقرب والكائنات الفضائية (التكفيريين)”، فقال فيها المعتقل: “كنت أسمع كثيراً وأتابع سجن العقرب وما به من انتهاكات شديدة كأي متابع للشأن المصري؛ لتمر الأيام وأصبح أحد سكان السجن؛ أو كوكب العقرب كما أحب أن أسميه”.
يضيف “سأتناول هنا ظاهرة في كوكب العقرب بعيداً عن أهواله، فلو كتبت عن انتهاكات حقوق الإنسان لن يكفي مقال واحد، وهي ظاهرة الكائنات الفضائية كما أسميهم أو غلاة التكفيريين كما هو معروف، شاء الله أن تكون أيامي الأولى في هذا السجن بعنبر الإعدام، حيث أن هذا العنبر هو الفزاعة التي أعدتها مصلحة السجون من حيث الظروف المعيشية القاسية، فهو فزاعة لسجن العقرب كله، بل فزاعة للسجون المصرية بأكملها”.
“هناك كان أول لقائي بهذه الكائنات الفضائية، هذا الشخص الذي تلقاني بحفاوة غريبة للغاية غير كل الموجودين بالمكان، ومن أول يوم نادى عليّ عبر الطرقات الخلفية، فالوسيلة الوحيدة للتواصل أن ترفع صوتك إلى أعلى درجة كأنك تصرخ لكي يصل الصوت لمن بجوارك”.
“بدأ الرجل حديثه معي: افتح المصحف قلت، ليس لديّ مصحف، فجلادو السجن يمنعونه عني، فقال، تحفظ سورة الممتحنة قلت نعم، فقال اقرأ آية براءة إبراهيم من قومه، فراجعت معه الآية ثم قال: يجب أن تبرأ إلى الله من أهلك والمجتمع بأسره فكلهم كفار سقطوا في الشرك لأنهم صوّتوا في الانتخابات، ومن لم يكفرهم كافر مثلهم، ومن لم يكفره كافر، حتى أنه لم يتبق مسلم في المجتمع إلا أنا وهو” على حد قوله.
“لم يكن هذا الرجل خطيراً، فهو سليط اللسان ضعيف الحجة، كان الأخطرَ رجل آخر يقول في هذا الأول، إنه مغالٍ في التكفير ويلومه ويجابهه، هذا الشخص الثاني يقول، إنه يتأنّى في التكفير، والعجيب أيضاً، إنه يؤصّل في الناس الكفر، ولكن خلافه مع الأول هو التكفير وفق السلسلة الذي ذكرتها”.
أضف تعليقك