• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

لم تعد هناك كلمة في القاموس السياسي أسوأ ولا أحقر من كلمة المبادرة، ورغم أنها من المفترض أن تكون كلمة إيجابية لكنها وبفعل فاعل تحولت إلى كلمة قبيحة وممجوجة ومقيتة وقل ما شئت في حق تلك الكلمة. 

منذ الساعات الأولى للانقلاب والنظام يسعى إلى ترسيخ فكرة أنه صاحب مبادرات وأنه رغم أنه انقلاب فإنه ويا للعجب يسعى إلى احتواء من انقلب عليهم، وأنه يمد يده إلى من قطع عنهم وسائل التواصل، وأغلق قنواتهم وصادر ممتلكاتهم وحولت لمحاكمات عسكرية وعاجلة غير عادلة، ورغم ذلك فهو صاحب مبادرة! هل رأيتم وقاحة أشد من تلك؟ 

كثير إن لم يكن كل ما طرح من جانب الثوار لم يكن مبادرات اللهم إلا ما طرحه النائب محمد العمدة، وما عدا ذلك من بيانات ووثائق تم طرحها من قبل الثوار ليست مبادرات لأنها تصب أو يجب أن تصب في صالح وحدة الصف الثوري وإن اختلفت رؤى المتحاورين حول شكل الدولة ومفهوم الشرعية ودستور 2012 وبرلمان 2011، لكن البعض وبخبث شديد لا يخلو من سوء نية يحاول تصوير كل محاولة للحوار على أنها مبادرة في خدمة النظام، ولا أفهم حقيقة كيف يتحول الحوار والنقاش وورش العمل والندوات وأوراق العمل إلى مبادرات إلا في إطار فهمي المتواضع لشيطنة كافة التيارات الثورية لصالح فريق بعينه، أو لصالح تجميد الثورة وإبقاء الوضع على ما هو عليه. 

لقد حضرت العشرات من ورش العمل وجلسات النقاش ولدي الكثير والكثير من ملخصات معظم هذه الجلسات والحوارات وأعرف آراء بعضا ممن يتهمون اليوم رفاق الثور بالخيانة، وهي آراء لا تختلف كثيرا عما يطرح اليوم فما الذي استجد؟ 

كل ورش العمل والحوارات هي أمور تجري بين كبار أو المفترض أن تكون هكذا، وتدور بين مخلصين وأوفياء للثورة وللوطن وللدين من قبل وبعد أو المفترض أن تكون هكذا، فما الذي جرى.. وسيجري؟ 

للتاريخ، أعتقد أن البعض لا يرى نفسه وسط القامات الثورية الكبيرة، أو أن لديه أجندة يسعى من أجل تحقيقها ولا يرى إمكانية تحقيق ذلك إلا عبر المزايدة على الجميع، وثمة تفسير آخر مرتبط باختراق الصف الثوري وهذا وارد جدا، وإلا فكيف لمن طرح بالأمس مبادرة يطالب فيها الرئيس محمد مرسي بتفويض الدكتور أيمن نور بمهام رئيس الوزراء بصلاحيات كاملة بالأمس، كيف يقف اليوم مزايدا على الكل، وكأنه لم يكن صاحب مبادرة (أسف) للتخلي عن الرئيس بالأمس؟ 

تجميد الثورة وتحويلها إلى معارضة أمر مثير للانتباه أيضا فهناك أجنحة معارضة دخلت على خط الثورة وهي تسعى بكل قوة إلى تيئيس أهل الثورة ورجالاتها لكي يقبلوا بحلول مخزية تتجاهل شرعية ونضال السيد الرئيس ورفاقه من الثوار، وتتجاهل دماء الشهداء وعطاء المصابين والمهاجرين. 

وقد تتعجب عزيزي القارئ إن علمت اليوم أو غدا وإن غدا لناظره لقريب أن رموزا كبيرة في الصف الثوري كان من رأيها ومنذ اليوم الأول أن الثورة ليست ثورة بل فورة أو شبه ثورة، وهو في هذا يلتقي مع السيسي في تشبيهه لمصر بأنها شبه دولة، فخرج "الكبير" معلنا أن يناير ليست ثورة. هذه مصيبة. 

المصيبة الأكبر وأنا شاهد عليها أن قياديا أكبر من هذا الذي ذكرت قبل قليل قال لي صراحة ذات يوم وأنا أسأله عن عدته لكسر الانقلاب: "ولماذا نعود؟ وهل هذا بلد يمكن أن نحكمه؟"، لا تتعجب فهذا الرمز يصدر وثائق وبيانات تتحدث عن كسر الانقلاب، ولكنه فعليا لا يريد لا كسر الانقلاب ولا عودة الرئيس ولا شيء ولكنه يصدر الصغار في المشهد لكي يستهلك قوتهم ويجعل منهم عصيا تعيق دوران عجلة الثورة! 

تجميد الثورة هدف رئيسي للسيسي وعصابته، ولدول الإقليم، ولأمريكا وأوربا وبعض ممن لديهم طموح سياسي لا يمكنهم تحقيقه إذا انتصرت الثورة. الثورة بالنسبة لهؤلاء جميعا خطر ماحق لأنها ستفسد على البعض حكمه، وعلى البعض الآخر سلطته ونفوذه، وعلى البعض الثالث عبثه وتبديده لثروات شعبه وبلاده، وعلى الآخرين مصالحهم الممتدة والمحفوظة عبر عقود. 

على تفهم من كلامي أنني موافق على أي مبادرة تتجاهل الثورة والرئيس والشرعية، بالطبع لا ولكنني أقول وبصوت عال أننا بحاجة إلى الحوار حتى نخرج من بين ظهرانينا أصحاب الأجندات وعملاء المخابرات وأصحاب المشاريع الشخصية وأساتذة تجميد الثورات الباحثين عن لحظة يرضى فيها عنهم العسكر ولن يرضوا أبدا.

الحوار لا يقدر عليه سوى الكبار، أما الصغار فليس لديهم سوى رمي الآخرين بالخيانة والتبعية.. 

تحاوروا تصحوا. 

أضف تعليقك