يأتى يوم السادس من أكتوبر هذا العام مختلفًا عن كل ما سبقه من أعوام، منذ أحرز جيشنا الوطنى نصره التاريخى على العدو الصهيونى فى عام 1973.
كنا فيما مضى ننتظر قدوم هذا اليوم الذى عايشنا وقائعه ونحن أطفال صغار، ثم صرنا نفتخر به ونحن شباب وشيوخ كبار، ولم لا نفتخر به وقد أخذ أبطالنا بثأر إخوانهم الذين قتلوا ومُثّل بهم فى عام 1967؟ وقد أعادوا الثقة إلى كل مصرى، وأثبتوا للدنيا كلها أن ما جرى على يد عبد الناصر وعصابته كان استثناء، وأن مصر الإسلامية بجيشها الذى يؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولا لا يمكن أن يهزم من جيش لقيط، جنوده شراذم الدنيا شذاذ الآفاق.
كنا نود أن نفرح، وأن نتبادل التهانى والتبريكات فى هذه المناسبة الوطنية وهذا العيد القومى العظيم، لكن أبى العسكر من عصابة عبدالناصر إلا أن يفسدوا علينا هذا اليوم، بعد أن حولوا مصر إلى سرادق عزاء كبير، فما من مصرى الآن إلا وبه وجع، ويعصره الألم مما آلت إليه أموره الشخصية وأمور بلده.
فعلى المستوى الشخصى يعانى المواطن من الغلاء والبلاء والفقر وعدم الأمن وعدم الاستقرار، وكبت الحريات وانعدام الخدمات، واستشراء الفساد وطغيان المحسوبية، ويعانى من البلطجة وسوء الأخلاق، والزحام والعشوائيات.. إلخ.
وعلى مستوى البلد يدرك الجميع أننا صرنا بلدًا آخر، فى ذيل الأمم على المستويات كافة، وصار كل يوم أسوأ من سابقه، أما مقولة "أننا لم نصل إلى ما وصلت إليه سوريا والعراق" فهى مقولة كاذبة، فقد رأينا االشباب يلقون بأنفسهم فى البحر هربًا مما آلت إليه الأوضاع، وقد تحدثت تقارير صحفية أوروبية عن نزوح مصرى جماعى -لا سمح الله- سوف يجتاح أوروبا على الصورة التى رأينا بها النزوح السورى للشمال، لكن بصورة أكثر بشاعة وبؤسًا.. حسب هذه التقارير.
كيف نحتفل بهذ اليوم ونهنئ فيه جيشنا وهناك عصابة تسيطر عليه، هى التى قتلت المصريين واغتصبت نساءهم، وصادرت أموالهم وسجنتهم وعذبتهم؟
لا يجد العاقل مبررًا واحدًا بعد كل ما جرى ليرسل تهنئة، أو حتى يتحدث عن نصر أو إنجاز، لقد صار الحديث الآن عن تصفيات واغتيالات يقوم بها العسكر، ضحاياها من خيرة أبناء مصر، الحديث الآن عن قيام هذا الجيش الذى حقق نصر أكتوبر باعتبار أبناء بلده هم عدوه الأوحد، وتناسى العدو الذى لاقاه فى تلك الحرب، بل رأينا مسئولى حكومتهم يشيعون قاتل جنودنا ويحتضنون ذويه ويربتون على نعشه..
وكيف نحتفل بهذا النصر وقد تحول جنود هذا الجيش إلى باعة جائلين؟! يبيعون الجبن والبيض والمكرونة فى شوارع وحوارى المدن، وقد تركوا الحدود نهبًا للاعتداءات الخارجية، وتحولوا إلى منظمى حفلات الأفراح، وإلى موظفى (كارتة) على الطرق السريعة وغير السريعة؟
وكيف يمكننا الاحتفال بيوم كهذا وقد صار حال مصر كما وصفه أبوالطيب المتنبى حين قال:
أكلما اغتـال عبد السـوء سيـده ** أو خـانه فلـه في مصـر تـمهيد
صار الخصـيُّ إمام الآبقيـن بـها ** فالـحر مستعبـد والعبـد معبـود
نامت نواطيـر مصـر عن ثعالبهـا ** فقد بشمـن وما تفنـى العناقيـد
العبـد ليس لـحر صالـح بـأخ ** لو أنه فـي ثيـاب الـحر مولـود
لا تشتـر العبـد إلا والعصا معـه ** إن العبيـد لأنـجاس مناكيــد
ما كنت أحسبنـي أحيا الى زمـن ** يسـيء بي فيه كلب وهو مـحمود
والله لا تطيب لنا نفس بالاحتفال بذكرى هذا النصر وبيننا مظلوم واحد، فما بالك وبيننا ملايين المكلومين!! وما بالك إذا كان هؤلاء جميعًا قد وقع عليهم الظلم من هذا الجيش صانع هذا الانتصار!! إن هذا أمر لا يستسيغه ذو مروءة ودين.
إنه بدلا من الاحتفال بالذكرى أو التذكير بها يجب أن نذكر الجميع بأن الاحتفال الحقيقى سيكون عندما نتخلص من حكم العسكر، وبعدما يعود الجيش إلى سكناته، وبعدما تحاكم تلك العصابة التى قتلت وخربت وباعت مصر للقريب والبعيد، وبعدما يقتص للشهداء والمظلومين.
أما قبل حدوث هذا فلا احتفال بنصر ولا تذكير بذكرى، وإلا صرنا نضحك على أنفسنا، فلا معنى لانتصار فى بيت عزاء، ولا قيمة لإنجاز والمحتفلون فى غم ونكد، ولو خرجت الدولة بكل مؤسساتها للاحتفال باليوم وقد أخرجت مليشياتها وشبيحتها وقد وجهت إعلامها لذلك، فلن يغنى هذا عن الحق شيئًا، ولن يغير فى الواقع شبرًا واحدًا، فالناس قلوبهم قد انعقدت على الحزن، ولن ينفتح قلب رغمًا عنه، ولن يتحول الناس من الشقاء إلى السعادة بأمر قائد عسكرى، إنما يسعد الناس بالعدل، وبالحق وبالمساواة فيما بينهم، وبرفع الظلم عنهم وبالإخلاص للعمل من أجلهم، لا من أجل الأبناء والأحفاد والأقارب وباقى الشلة الفاسدة.
أضف تعليقك