منذ ثانية واحدة
إذا أردت وصفا لقيام سلطة الانقلاب في مصر بالقبض على "شيبوب الصعيدي" صاحب الفيديو الشهير، فقل إنه التعبير العنيف عن منتهى الضعف. فهو تصرف لا يمكن أن تقدم عليه سلطة جاءت بعد ثورتين كما يقولون، وتحظى بتأييد شعبي جارف، كما يزعمون، وتعبر عن إجماع وطني لا يضره من ضل، كما يتوهمون!
فإذا كان المنشور، أن رئيس مباحث مركز شرطة "ساحل سليم"، قد خاطب مدير أمن أسيوط في أمر "شرشوب"، الذي أصدر له التعليمات باعتقاله، ففي اعتقادي أن قرارا كهذا، يتجاوز سلطة الضابط رئيس المباحث، واللواء مدير الأمن، لاسيما وأن "شيبوب" استطاع أن يصبح نجم الشاشات بين عشية وضحاها، وحديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يقول عبد الفتاح السيسي إنه يتابعها، وفي كثير من أحاديثه يعرب عن قلقه في مواجهتها، لدرجة أنه هدد ذات خطاب، بأنه يستطيع بكتيبتين أن يحاصر هذه المواقع، وأن يحولها إلى دائرة مغلقة، وهو تصريح ينم عن ضيقه بها، وعجزه حيالها، وكيف أنها مثلت له إزعاجا كبيرا!
المعنى، وأن "شرشوب" انتقل من المحلية، إلى الفضاء العام، فإن قرارا باعتقاله لا بد أن يُحط به السيسي علما، إن لم يكن هو صاحب القرار، باعتباره الحاكم الفرد، الذي بيده كل التفاصيل كما لو كان يدير "محل بقالة"، وليست دولة بحجم جمهورية مصر العربية!
"شرشوب"، وقد وُزع له الفيديو الشهير، ظهر مرتديا للزي الصعيدي، وتحدث بلهجة صعيدية قح، وكان يجلس على الأرض، فاستطاع أن يخطف انتباه الناس، فوصلت المشاهدة لإحدى روابط فيديوهاته إلى مليون مشاهدة، وهو عدد أكثر ممن يشاهدون ترسانة عبد الفتاح السيسي الإعلامية، وقد وجد لبساطته شكلا وموضوعا، اهتماما من مصر وخارجها، ومن خارج الإقليم، لأنه مع هذه البساطة، لم يكن ينقصه الوعي بالمشكلات التي تعاني منها البلاد، والوعي بالمؤامرة على الوطن التي يمثلها عبد الفتاح السيسي!
وقد تجاوز "شرشوب همام" قضية "لقمة العيش"، ليتحدث عن الأزمة التي تعيشها مصر، على يد من وصفه "شيبوب" بـ "الفاشل"، ولخص نظرة البسطاء المصريين للموصوف عندما قال إنه لو كان يمتلك قطعة أرض، فلن يستعمل السيسي عليها "غفيرا"، أي حارسا، هل أعيد ما ذكرته في السابق، ولأكثر من مرة، أن السيسي على غير ما يتردد حتى في صفوف تيار رفض الانقلاب، لا يحظى بتأييد من قبل وجهاء الريف وأعيانه، والعائلات التاريخية، بل لا يحظى بالتأييد داخل أوساط الحزب الوطني، بمرحلتيه، سواء تلك التي بدأت منذ تولي المخلوع الحكم في سنة 1981، أو بالمرحلة الثانية التي قادها نجله والسيدة حرمه، وهي مرحلة ما قبل سنة 2005، صحيح أن هذه العائلات وجدت أنها صارت ولأول مرة خارج السلطة بعد الثورة، ولهذا احتشدت لإنجاح مرشح الدولة العميقة الفريق أحمد شفيق، لكنها لم تر في عبد الفتاح السيسي، بأدائه، وممارساته، وحرصه على أن يكون "عبدو العاطفي"، ما يملأ أعينهم، فلم يتحمسوا لانتخابه، كما لم يتحمسوا لانتخاب برلمانه، لاحظ أن عبد الناصر لم يُعادِ هذه العائلات مع أنها كانت تنتمي للمشهد السياسي الذي انقلب عليه وناصبه العداء، وإن كانت أزمته مع العائلات الإقطاعية!
الفئة التي يمثلها "شرشوب" أعرفها تماما، ففي كل بلد أو عائلة في الصعيد، يوجد هذا الإنسان القادر على التعبير بشكل لافت، حتى وإن كان أميا لا يفك الخط، بل إن هناك عائلات كاملة تجيد الحكي، وتحسن التعبير، وتتميز بخفة الدم، وتنتج تراثا في حسن التصرف والكلام يُتندر به، ويستدعى في جلسات السمر، بيد أن الجديد في حالة "شيبوب" أنه انتقل من الهم المحلي، ليستدعي رئيسا وصفه بـ "الفاشل" ويجعل من القضايا العامة موضوعا لخطابه، فأسمع وأوجع!
وقد جاء هذا في وقت راج فيه فيديو صاحب "التوك توك"، الذي مثل معجزة بفصاحته ووعيه، في بلد يترأس السلطة فيه من لم يضبط متلبسا بجملة واحدة مستقيمة على مدى ثلاث سنوات من الحديث الممل، ثم إنه بدا بالوعي معجزة خارقة للعادة، فهز سلطة الانقلاب من جذورها في ثلاث دقائق، فإذا بها وقد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار! وكيف يكون كذلك، والناس تشاهد الجنرالات على شاشات التلفزيون وقد مثلوا مسخرة بحديثهم وضحالة تفكيرهم، فكان لابد من وصفه بأنه نتاج مؤامرة، جرت صناعتها في دوائر المخابرات، فإذا كان من يشاهدهم الناس هم القيادات في الأجهزة السياسية، فمن يُعلم من؟!
وإذا كانت السيدة، صاحبة الفيديو الشهير أيضا تحدثت عن المعاناة اليومية لشعب بأكمله، وبفئة اجتماعية ضاقت عليها الدنيا بما رحبت من سوء إدارة البلاد على يد الجنرال السيسي، فإن ما ميز سائق "التوك توك" وصاحبنا "شرشوب"، أنهما انطلقا من الحديث عن المعاناة الخاصة إلى معاناة الأمة، فتحدث الأول عن ضرورة الاهتمام بالتعليم والصحة، وتحدث عن مصر التي كانت في القمة فصارت في الحضيض، فهي التي أقرضت بريطانيا فهل هذا حال يليق بها؟ أما "شرشوب"، فكان بحديثه عن شخص السيسي يتحدث عن أزمة سلطة، صار فشلها يتغنى به الركبان!
الرابط بينهما ليس فقط الانتماء للصعيد، والانتماء لمحافظتين متجاورتين: سوهاج وأسيوط، ولكن في أنهما من حزب الكنبة، الذي لم تشغله السياسة، ولم ينخرط فيها، ولم يكن من ضمن مكونات دوائرها، على نحو مثل سائق "التوك توك" دهشة لمن يعرفونه، فهو لم يشارك في الثورة، ولم يسبق له الحديث في السياسة، فهو بالتعبير البسيط "في حاله"، و"شرشوب" ببساطته يبدو كذلك بعيدا عن دوائر السياسية حتى في معناها المحلي، داخل بلدته "ساحل سليم" بمحافظة أسيوط!
والمعنى هنا، أن البؤس الذي تعيشه مصر أيقظ "حزب الكنبة"، وأنطق الحجر، وهو أمر لم تنتبه له القوى الثورية، التي لا تزال على خطابها القديم تخشى من هذا الحزب الذي تعتبره خصما من حساباتها، وهذا ليس موضوعنا.
لقد كان لفت انتباهي تلك الديباجة القديمة لوزارة الداخلية، في خبر القبض على "شيبوب"، فقد سبق اتهامه في ستة عشر قضية، ما بين "نشل"، أي سرقة، إلى مخدرات، ولم يذكر الخبر إن كان تعاطيا أم اتجارا، كما لم يذكر إن كان قد حكم عليه بالإدانة أم حكم عليه بالبراءة، وإذا كانت الأخيرة فما هو المبرر لاستدعاء هذه القضايا الآن، والحكم عنوان الحقيقة، وإذا كانت الإدانة فلماذا لم يتذكروا القبض عليه، إلا عندما هزم السيسي بالضربة القاضية بالفيديو الشهير؟!
إنه ذاته الأسلوب القديم، الذي دفع وزارة الداخلية، في واقعة سائق "التوك توك"، إلى إصدار بيان وزعته على الصحفيين، المخبرين لديها، فقاموا بترويجه على نطاق واسع بأنها معلومات توافرت لديهم دون إشارة لمصدرها، وهو ما مثل فضيحة عند اكتشاف الحقيقة!
فالاسم الذي ذكر في بيانات وزارة الداخلية التي تم تبنيها من قبل بعض الصحفيين ليست اسمه، وقد قالوا إنه ليس سائق "توك توك" ولكنه مدرس إعدادي، ويمتلك محل صيانة كمبيوتر، وأنه عضو في حزب "الحرية والعدالة"، وأن حماه هو مدير مدرسة مملوكة للإخوان وأنها تحت الحراسة!
هكذا، دون ذكر لاسم المدرسة التي يعمل فيها، واسم حماه والمدرسة الإخوانية الواقعة تحت الحراسة، لكن عندما حصحص الحق، ووقف صحفيون على حقيقة هذا الشاب، وضع مخبرو وزارة الداخلية أحذيتهم في أفواههم ولم يعتذروا عن هذه الأكاذيب ولو من باب ادعاء المصداقية ، التي تروجها وزارة عجزت عن التعرف على الاسم الحقيقي للرجل!
هذا الأسلوب البدائي المفضوح، جرى استخدامه مع من أشعل النيران أمام نادي للقوات المسلحة، وهو يهتف بأنه لم يجد ما يأكله في إشارة لا تخطئ العين دلالتها، فذكر بيان لوزارة الداخلية أنه سبق اتهامه في العديد من جرائم السرقة، وذكر أرقاما لقضايا دون ذكر السنة التي وقعت فيها، ليتبين بعد ذلك أنها وقعت في سنة واحدة، ومن طرف مدعية واحدة، وعدم ذكر التاريخ هو لإدخال الغش والتدليس على الرأي العام!
في حالة "شرشوب الصعيدي"، فقد وجدت أجهزة الأمن في إعلان أنه متهم في قضايا من قبل لن يحقق الغرض من اعتقاله، فكان اتهامه بإثارة الفتنة الطائفية، مع أن كل ما قاله في هذا الفيديو، هو أنه يدافع عن النبي في مواجهة زكريا بطرس، وقال إن من يهن نبيه سوف يضربه بـ "المركوب"، أي الحذاء، فماذا في كلامه أثار الفتنة الطائفية، وهل هذه الفتنة يمكن أن تتحقق لأن مسلما يغار على نبيه؟!
زكريا بطرس، هو قس وقح، يتطاول على الملة والدين وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والكنيسة منذ البابا شنودة تعلن أنها ليست مسؤولة عنه، لكنه مؤخرا جرى استدعاؤه في معركة ابتزاز السيسي لإقرار قانون بناء وتنظيم الكنائس، فقال فيه ما قال مالك في الخمر، ووصفه بكل نقيصة!
لكن السيسي المأزوم، في محاولته للانتقام من "شرشوب" استدعى الاتهام بإثارة الفتنة الطائفية، وليتقرب بذلك إلى الكنيسة زلفى!
إن سلطة يهزها فيديو، لرجل بسيط، هي سلطة فاقدة لمبرر الاستمرار ولو ليوم واحد.
فإذا كان المنشور، أن رئيس مباحث مركز شرطة "ساحل سليم"، قد خاطب مدير أمن أسيوط في أمر "شرشوب"، الذي أصدر له التعليمات باعتقاله، ففي اعتقادي أن قرارا كهذا، يتجاوز سلطة الضابط رئيس المباحث، واللواء مدير الأمن، لاسيما وأن "شيبوب" استطاع أن يصبح نجم الشاشات بين عشية وضحاها، وحديث الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يقول عبد الفتاح السيسي إنه يتابعها، وفي كثير من أحاديثه يعرب عن قلقه في مواجهتها، لدرجة أنه هدد ذات خطاب، بأنه يستطيع بكتيبتين أن يحاصر هذه المواقع، وأن يحولها إلى دائرة مغلقة، وهو تصريح ينم عن ضيقه بها، وعجزه حيالها، وكيف أنها مثلت له إزعاجا كبيرا!
المعنى، وأن "شرشوب" انتقل من المحلية، إلى الفضاء العام، فإن قرارا باعتقاله لا بد أن يُحط به السيسي علما، إن لم يكن هو صاحب القرار، باعتباره الحاكم الفرد، الذي بيده كل التفاصيل كما لو كان يدير "محل بقالة"، وليست دولة بحجم جمهورية مصر العربية!
"شرشوب"، وقد وُزع له الفيديو الشهير، ظهر مرتديا للزي الصعيدي، وتحدث بلهجة صعيدية قح، وكان يجلس على الأرض، فاستطاع أن يخطف انتباه الناس، فوصلت المشاهدة لإحدى روابط فيديوهاته إلى مليون مشاهدة، وهو عدد أكثر ممن يشاهدون ترسانة عبد الفتاح السيسي الإعلامية، وقد وجد لبساطته شكلا وموضوعا، اهتماما من مصر وخارجها، ومن خارج الإقليم، لأنه مع هذه البساطة، لم يكن ينقصه الوعي بالمشكلات التي تعاني منها البلاد، والوعي بالمؤامرة على الوطن التي يمثلها عبد الفتاح السيسي!
وقد تجاوز "شرشوب همام" قضية "لقمة العيش"، ليتحدث عن الأزمة التي تعيشها مصر، على يد من وصفه "شيبوب" بـ "الفاشل"، ولخص نظرة البسطاء المصريين للموصوف عندما قال إنه لو كان يمتلك قطعة أرض، فلن يستعمل السيسي عليها "غفيرا"، أي حارسا، هل أعيد ما ذكرته في السابق، ولأكثر من مرة، أن السيسي على غير ما يتردد حتى في صفوف تيار رفض الانقلاب، لا يحظى بتأييد من قبل وجهاء الريف وأعيانه، والعائلات التاريخية، بل لا يحظى بالتأييد داخل أوساط الحزب الوطني، بمرحلتيه، سواء تلك التي بدأت منذ تولي المخلوع الحكم في سنة 1981، أو بالمرحلة الثانية التي قادها نجله والسيدة حرمه، وهي مرحلة ما قبل سنة 2005، صحيح أن هذه العائلات وجدت أنها صارت ولأول مرة خارج السلطة بعد الثورة، ولهذا احتشدت لإنجاح مرشح الدولة العميقة الفريق أحمد شفيق، لكنها لم تر في عبد الفتاح السيسي، بأدائه، وممارساته، وحرصه على أن يكون "عبدو العاطفي"، ما يملأ أعينهم، فلم يتحمسوا لانتخابه، كما لم يتحمسوا لانتخاب برلمانه، لاحظ أن عبد الناصر لم يُعادِ هذه العائلات مع أنها كانت تنتمي للمشهد السياسي الذي انقلب عليه وناصبه العداء، وإن كانت أزمته مع العائلات الإقطاعية!
الفئة التي يمثلها "شرشوب" أعرفها تماما، ففي كل بلد أو عائلة في الصعيد، يوجد هذا الإنسان القادر على التعبير بشكل لافت، حتى وإن كان أميا لا يفك الخط، بل إن هناك عائلات كاملة تجيد الحكي، وتحسن التعبير، وتتميز بخفة الدم، وتنتج تراثا في حسن التصرف والكلام يُتندر به، ويستدعى في جلسات السمر، بيد أن الجديد في حالة "شيبوب" أنه انتقل من الهم المحلي، ليستدعي رئيسا وصفه بـ "الفاشل" ويجعل من القضايا العامة موضوعا لخطابه، فأسمع وأوجع!
وقد جاء هذا في وقت راج فيه فيديو صاحب "التوك توك"، الذي مثل معجزة بفصاحته ووعيه، في بلد يترأس السلطة فيه من لم يضبط متلبسا بجملة واحدة مستقيمة على مدى ثلاث سنوات من الحديث الممل، ثم إنه بدا بالوعي معجزة خارقة للعادة، فهز سلطة الانقلاب من جذورها في ثلاث دقائق، فإذا بها وقد اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار! وكيف يكون كذلك، والناس تشاهد الجنرالات على شاشات التلفزيون وقد مثلوا مسخرة بحديثهم وضحالة تفكيرهم، فكان لابد من وصفه بأنه نتاج مؤامرة، جرت صناعتها في دوائر المخابرات، فإذا كان من يشاهدهم الناس هم القيادات في الأجهزة السياسية، فمن يُعلم من؟!
وإذا كانت السيدة، صاحبة الفيديو الشهير أيضا تحدثت عن المعاناة اليومية لشعب بأكمله، وبفئة اجتماعية ضاقت عليها الدنيا بما رحبت من سوء إدارة البلاد على يد الجنرال السيسي، فإن ما ميز سائق "التوك توك" وصاحبنا "شرشوب"، أنهما انطلقا من الحديث عن المعاناة الخاصة إلى معاناة الأمة، فتحدث الأول عن ضرورة الاهتمام بالتعليم والصحة، وتحدث عن مصر التي كانت في القمة فصارت في الحضيض، فهي التي أقرضت بريطانيا فهل هذا حال يليق بها؟ أما "شرشوب"، فكان بحديثه عن شخص السيسي يتحدث عن أزمة سلطة، صار فشلها يتغنى به الركبان!
الرابط بينهما ليس فقط الانتماء للصعيد، والانتماء لمحافظتين متجاورتين: سوهاج وأسيوط، ولكن في أنهما من حزب الكنبة، الذي لم تشغله السياسة، ولم ينخرط فيها، ولم يكن من ضمن مكونات دوائرها، على نحو مثل سائق "التوك توك" دهشة لمن يعرفونه، فهو لم يشارك في الثورة، ولم يسبق له الحديث في السياسة، فهو بالتعبير البسيط "في حاله"، و"شرشوب" ببساطته يبدو كذلك بعيدا عن دوائر السياسية حتى في معناها المحلي، داخل بلدته "ساحل سليم" بمحافظة أسيوط!
والمعنى هنا، أن البؤس الذي تعيشه مصر أيقظ "حزب الكنبة"، وأنطق الحجر، وهو أمر لم تنتبه له القوى الثورية، التي لا تزال على خطابها القديم تخشى من هذا الحزب الذي تعتبره خصما من حساباتها، وهذا ليس موضوعنا.
لقد كان لفت انتباهي تلك الديباجة القديمة لوزارة الداخلية، في خبر القبض على "شيبوب"، فقد سبق اتهامه في ستة عشر قضية، ما بين "نشل"، أي سرقة، إلى مخدرات، ولم يذكر الخبر إن كان تعاطيا أم اتجارا، كما لم يذكر إن كان قد حكم عليه بالإدانة أم حكم عليه بالبراءة، وإذا كانت الأخيرة فما هو المبرر لاستدعاء هذه القضايا الآن، والحكم عنوان الحقيقة، وإذا كانت الإدانة فلماذا لم يتذكروا القبض عليه، إلا عندما هزم السيسي بالضربة القاضية بالفيديو الشهير؟!
إنه ذاته الأسلوب القديم، الذي دفع وزارة الداخلية، في واقعة سائق "التوك توك"، إلى إصدار بيان وزعته على الصحفيين، المخبرين لديها، فقاموا بترويجه على نطاق واسع بأنها معلومات توافرت لديهم دون إشارة لمصدرها، وهو ما مثل فضيحة عند اكتشاف الحقيقة!
فالاسم الذي ذكر في بيانات وزارة الداخلية التي تم تبنيها من قبل بعض الصحفيين ليست اسمه، وقد قالوا إنه ليس سائق "توك توك" ولكنه مدرس إعدادي، ويمتلك محل صيانة كمبيوتر، وأنه عضو في حزب "الحرية والعدالة"، وأن حماه هو مدير مدرسة مملوكة للإخوان وأنها تحت الحراسة!
هكذا، دون ذكر لاسم المدرسة التي يعمل فيها، واسم حماه والمدرسة الإخوانية الواقعة تحت الحراسة، لكن عندما حصحص الحق، ووقف صحفيون على حقيقة هذا الشاب، وضع مخبرو وزارة الداخلية أحذيتهم في أفواههم ولم يعتذروا عن هذه الأكاذيب ولو من باب ادعاء المصداقية ، التي تروجها وزارة عجزت عن التعرف على الاسم الحقيقي للرجل!
هذا الأسلوب البدائي المفضوح، جرى استخدامه مع من أشعل النيران أمام نادي للقوات المسلحة، وهو يهتف بأنه لم يجد ما يأكله في إشارة لا تخطئ العين دلالتها، فذكر بيان لوزارة الداخلية أنه سبق اتهامه في العديد من جرائم السرقة، وذكر أرقاما لقضايا دون ذكر السنة التي وقعت فيها، ليتبين بعد ذلك أنها وقعت في سنة واحدة، ومن طرف مدعية واحدة، وعدم ذكر التاريخ هو لإدخال الغش والتدليس على الرأي العام!
في حالة "شرشوب الصعيدي"، فقد وجدت أجهزة الأمن في إعلان أنه متهم في قضايا من قبل لن يحقق الغرض من اعتقاله، فكان اتهامه بإثارة الفتنة الطائفية، مع أن كل ما قاله في هذا الفيديو، هو أنه يدافع عن النبي في مواجهة زكريا بطرس، وقال إن من يهن نبيه سوف يضربه بـ "المركوب"، أي الحذاء، فماذا في كلامه أثار الفتنة الطائفية، وهل هذه الفتنة يمكن أن تتحقق لأن مسلما يغار على نبيه؟!
زكريا بطرس، هو قس وقح، يتطاول على الملة والدين وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والكنيسة منذ البابا شنودة تعلن أنها ليست مسؤولة عنه، لكنه مؤخرا جرى استدعاؤه في معركة ابتزاز السيسي لإقرار قانون بناء وتنظيم الكنائس، فقال فيه ما قال مالك في الخمر، ووصفه بكل نقيصة!
لكن السيسي المأزوم، في محاولته للانتقام من "شرشوب" استدعى الاتهام بإثارة الفتنة الطائفية، وليتقرب بذلك إلى الكنيسة زلفى!
إن سلطة يهزها فيديو، لرجل بسيط، هي سلطة فاقدة لمبرر الاستمرار ولو ليوم واحد.
أضف تعليقك