أصبحت المياه المعبأة في زجاجات الأسرع نموًا في سوق المشروبات في العالم على مدار العقدين الماضيين، إذ بلغت قيمة السوق العالمية 157 مليار دولار عام 2013، ومن المتوقع أن تصل إلى 280 مليار دولار بحلول عام 2020.
وفي العام الماضي نما حجم استهلاك المياه المعبأة في إنجلترا وحدها بنسبة 8.2%، وهو ما يعادل قيمة تجارة التجزئة بأكثر من 2.5 مليار دولار، وصارت مبيعات المياه أكثر 100 مرة مما كانت عليه عام 1980.
وفي عام 1740 تم إطلاق أول مياه تجارية بريطانية معبأة في زجاجات في "هاروغيت"، وفي عام 1914 صارت " Harrogate Spring" (وفقًا لموقعها) على الإنترنت أكبر مصدر للمياه المعبأة في البلاد.
وفي أوائل القرن العشرين كادت ثورة المياه أن تقضي على التجارة بها، بعد المحاولات المبكرة في ألمانيا وبلجيكا لتنقية مياه الشرب بالكلور، إذ أدى وباء التيفويد في "لينكولن" عام 1905 إلى محاولة "ألكسندر هوستن" تنقية المياه العامة بالكلور، ونجحت تجربته وانتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء العالم.
وفي عام 1908 أصبحت مدينة "جيرسي" أول مدينة أمريكية تستخدم المياه المعالجة بالكلور على نطاق واسع، وسرعان ما انتشرت التجربة في جميع أنحاء البلاد. وانهارت صناعة المياه المعبأة كنتيجة لذلك، فشراء المياه المعبأة كان أمرًا ضروريًا بالنسبة للأثرياء، بينما كان الفقراء يتحملون مياه الشرب السيئة، ويموتون عادًة بسبب ذلك، إلا أن المياه متاحة مجانًا للجميع الآن، فلماذا الاستمرار في إنفاق أموال على مياه يُمكن الحصول عليها من صنبور المطبخ؟!
وقد جاءت الإجابة على هذا السؤال في إعلان تلفزيوني عام 1977، والذي كان جزءًا من حملة إعلانية للمياه المعبأة عبر أمريكا بلغت تكلفتها 5 ملايين دولار، وكانت أكبر حملة على الإطلاق للمياه المعبأة، والتي أثبتت نجاحًا كبيرًا.
وخلال الفترة بين 1975 وحتى 1978، ارتفعت مبيعات " Perrier" في الولايات المتحدة الأمريكية من 2.5 مليون زجاجة إلى 75 مليون زجاجة.
وتوالت الحملات الإعلانية الناجحة بعد ذلك، وفي عام 1977 تم إدخال الزجاجات البلاستيكية في سوق المشروبات الغازية، وبحلول عام 1990 صارت تُستخدم للمياه المعبأة، مما يجعلها سهلة الحمل.
وبدأت كبرى شركات المياه الغازية تنتج مياهها المعبأة، مثل إنتاج أكوافينا التابعة لشركة "بيبسي كولا" عام 1994، وداساني التابعة لشركة "كوكا كولا" عام 1999، و"نستله بيور لايف" عام 2002.
وتساوي تكلفة زجاجة المياه التي تبلغ نحو جنيه إسترليني في كثير من الأحيان التكاليف التي يُمكن أن تُدفع لحوالي 1000 جالون من مياه الصنبور. وعلى الرغم من أن مياه مثل " إيفيان" و" Perrier" و" Harrogate Spring" تأتي من مصادر طبيعية، إلا أن الكثير من زجاجات المياه المعبأة تأتي من مياه الصنبور.
وشهد العقد الماضي توسعًا تجاريًا كبيرًا في المياه المعبأة، ولم يعد يكفي أن تكون المياه مجرد مياه، بل صارت هناك مميزات خاصة يسعى الناس لشراء زجاجات المياه من أجلها، وفي عام 2016 وحده تم إطلاق العديد من أنواع المياه المعبأة مثلFlُ Essence" Omega Enhanced Health Water"، مياه سوداء، مياه تحتوي على دهون، وغيرها من الأنواع التي تشمل مياه المحيط العميقة قبالة سواحل هاواي.
ويرى البعض أن المياه المعبأة قد وصلت إلى ذروتها، ويُمكن أن يكون هذا هو الوقت المناسب ليفقد الناس إيمانهم باختلاف المياه المعبأة عن مياه الصنبور، وشرب مياه الصنبور وتوفير الأموال بدلاً من ذلك، إلا أن الصحوة الجماهيرية المنتظرة لمواجهة هذه الرأسمالية المجنونة لا تظهر في الأفق، إذ يتوقع الخبراء نموًا متزايدًا في سوق المياه المعبأة بنسبة تتراوح بين 5 إلى 6% على مدى الخمس سنوات القادمة.
أضف تعليقك