ستتحدّث كتب الأساطير والغرائب يوماً عن أن رئيس مصر الدكتور محمد مرسي هو أول إنسان على كوكب الأرض تتهمه جهةٌ واحدةٌ بالتخابر لمصلحة إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، معاً، وفي توقيت واحد.
سيحدّثنا الزمان عن الوضاعة في الخصومة، والخسّة في ممارسات نظامٍ، لا تزال بقايا الحليب الصهيوني باديةً على أسنانه، ولا يتوقف عن الذهاب إلى الفراش الإسرائيلي، كلما استشعر اقتراب حتفه.
نحن الآن أمام تغيير جذري في اللعبة القذرة التي تمارسها سلطة عبد الفتاح السيسي التي ضبطت، بدلاً من المرة عشراً، متلبسةً بالعلاقة الآثمة مع العدو الصهيوني، وباتت قرائن تبعيتها الكاملة لما يقرّره الجنرالات والحاخامات وحواضن التفكير الاستراتيجي في إسرائيل تتجمع بكثافةٍ، ممطرة بالفضيحة تلو الأخرى.
تعلم هذه السلطة التي أستطيع أن أحصي لك بشأنها عشرات التصريحات الصادرة من تل أبيب، تؤكد أن هذا نظام "صُنِع? في إسرائيل"، أنها تواجه مشكلةً مع أنصارها في ما يخص علاقتها المشينة بالكيان الصهيوني، وخصوصاً مع توالي التقارير القادمة من هناك، تعبّر عن تدابير لانتشال جنرالهم في القاهرة من الفشل، ومحاولة تعويمه، تماماً كالجنيه الذي بات لا يحسب حسابه أحدٌ في سلة العملات النقدية، في الخارج والداخل.
كان السيسي يظن أنه نجح في استئصال غدة في الضمير الوطني، تعتبر إسرائيل عدواً، وترى في التطبيع معها خطيئةً، فما بالك بالتبعية لها، وكان يتوّهم أنه بالإمكان أن تبتلع الجماهير حبوب السلام الكاذب، وتغض الطرف عن هذه العلاقة الحميمية، بدعاوى أن الجنرال يحميهم من الإرهاب، وينزل الرخاء من السحاب، غير أنه اكتشف أن الشعب، في معظمه، لا يزال محصّناً ضد وباء التطبيع، وينظر إلى افتراءات تخابر الرئيس مرسي مع المقاومة الفلسطينية بسخريةٍ، شديدة، ويتذكّر المواقف الناصعة له، دعماً لصمود غزة.
يتحسّس السيسي وعصابته الصغيرة وضاعتهم وضآلتهم، كلما فرضت الوقائع والأحداث مقارناتٍ لازمة بينه وبين الرئيس الذي انقلب عليه، في ما خصّ العلاقة مع الكيان الصهيوني، جرّبوا مسخرة الاستعمال الكثيف لعبارة "عزيزي بيريز" في خطابٍ مرّرته خلايا الدولة العميقة على الرئيس المنتخب، فاكتشفوا أنها تحوّلت إلى نكتةٍ سخيفة، يمضغها برقاعةٍ، شوباشية بشوارب، وشوباشيةٍ بباروكات، ولم تعد تكفي لخطف الناس من متابعة هذا العرض الماجن الذي يقدّمه السيسي ودبلوماسيته على مسرح السياسة الإسرائيلية.
من هنا، كان التفكير في حل ينزع هذه الورقة من ملف الرئيس مرسي، فليأتوا بمحامٍ أو مواطن "شريف" جديد، يتقدم ببلاغ يتهم الرئيس المسجون بالتخابر لصالح الموساد الإسرائيلي، في تطبيقٍ حرفي لمثلٍ شعبي مصري، يستخدم كثيراً في وصف حال بائعات الهوى، اللاتي يدّعين على المحترمين، بما فيهن من تشوهاتٍ أخلاقية، وسفالاتٍ سلوكية، ليصبح النظام طفل الحرام القادم من علاقةٍ إجراميةٍ بين تخطيط إسرائيلي وتمويل نفطي، في فراش أميركي، هو المبادر بالهجوم على صاحب الصرخة المدوية "غزة لم تعد وحدها"، من بوابة التخابر مع العدو الإسرائيلي.
حسناً، سنفترض جدلاً مع السفلة أن الرئيس مرسي متخابرٌ مع الموساد، ألا يعني هذا مباشرةً أن إسرائيل عدو، يهدّد أمن مصر ومصلحتها؟
إذا سلمنا جدلاً بذلك، فما رأي القانون السياسي والأخلاقي فيمن يعمّق روابط التعامل والتحالف مع العدو الذي يكلف استخباراته بالتجسّس عليه؟
والسؤال الأهم: هل يعقل أن تغدق إسرائيل على السيسي بكل هذا العطاء، وهو الذي انقلب على "رجلها المزعوم" في الاتحادية، وسجنه؟
شيئان لم يستطع ناعقٌ على أبواب السلطة أن يرمي بهما الرئيس محمد مرسي، ومعاونيه المحبوسين ظلماً، أولهما: الفساد المالي، والثاني السقوط التطبيعي. وبما أن سلطة الانقلاب تعوم في هذين المستنقعين الكبيرين، فقد جاء التفكير في تصنيع اتهام للرئيس بالعمالة للموساد، ولن يمر وقتٌ طويلٌ حتى يبهرك السفاحون بتصنيع قضايا فسادٍ واختلاسات وبيع مباريات لأناس يعلم أعداؤهم أن نعل حذائهم أنظف وأطهر من الذين يتهمونهم، من الوضع جلوساً تحت أحذية الصهاينة، على طريقة بائعات الهوى، في المثل الشعبي المشار إليه أعلاه.
أضف تعليقك