قالت العرب: «العزاء ثلاثاً»، وإذ مضت أيام العزاء في فقيد الجيش المصري العميد «عادل رجائي» قائد الفرقة التاسعة مدرعات، فإنه يصبح من واجبنا في رحلة البحث عن الحقيقة، أن نتعرض لما ذكرته زوجته الصحفية «سامية زين العابدين»، في السابق واللاحق، وكنا نتعامل معها باعتبارها حظ الأنثى من توفيق عكاشة، فأثبتت الأيام أنها من أهل البيت، صحيح أن ارتباطات عكاشة بالأجهزة الأمنية لم تعد سراً فقد اعترف بذلك، لكن كانت عنده حرية حركة، يسيء استخدامها حيناً، فيتعرض للعقاب، وصرنا لا نستطيع أن نعرف متى ينتهي ليبدأ حديث هذه الأجهزة!
لم تكن «سامية زين العابدين» تشغلنا، منذ أن كانت ضالعة في حركة «إحنا أسفين يا ريس»، التي كانت تحتشد في محاكمات الرئيس المخلوع، وهي الحركة التي كانت تعتدي على مصابي شهداء الثورة وأهالي الشهداء. رغم أن الحضور كان تحت رعاية أمنية، وقف عليها بسهولة الذين كانوا يذهبون لتغطية وقائع المحاكمة من الصحفيين.
ولم نكن نعلم أن المذكورة جرى تصعيدها في زمن الانقلاب العسكري من «هتيفة»، نسبة للهتاف، إلى محللة سياسية وعسكرية، تستدعي الجيش في أمور لا يجوز تجاوزها، لا سيما وقد تبين أنها لم تكن مجرد محررة عسكرية، وما ذكرته في هذه البرامج، يتجاوز دور المحرر العسكري، إلى وظيفة قائد أركان الجيش، وهى تتحدث في قضايا حساسة، تحتاج إلى إذن للكتابة عنها أو الحديث فيها، ومن شاهدوها من قبل، لم يكونوا يعلمون أن زوجها أحد قادة الجيش، وبما يوجب التعامل معها بجدية، وليس بحسبانها شطحة من شطحات توفيق عكاشة، وهو يخاطب جارته بالجنب وبنت السبيل!
لقد ظلمنا «محمد الغيطي»، الذي نسبنا إليه واقعة تصدي القوات المصرية، بقيادة مهاب مميش للأسطول السادس الأمريكي، الذي جاء ليفرض محمد مرسي، رغم بيان الجيش بعزله، ولأن «مميش» بصفته قائد القوات البحرية، كانت حاداً على نحو فهم منه وزير الدفاع الأمريكي أنه لا يمزح، فقد ضحى الأمريكان بصديقهم مرسي، حفاظاً على أسطولهم، الذي وقع قائد في قبضة «مميش»، وتجري المقايضة عليه الآن بثلاث سندوتشات همبرغر. وللعلم فإن «مميش» لم يكن قائداً للقوات البحرية حينئذ
«الغيطي» لم يكن أول من أطلق قصة التصدي للأسطول السادس الأمريكي، فقد كان اغتيال العميد «عادل رجائي» فرصة لإعادة اكتشاف زوجته، والاستماع بجدية إلى حديثها، لنكتشف أنها صاحبة الراوية، التي أكدها بعد ذلك الفريق مهاب مميش، لكن الراوية لم تنسب لها، لأن المذكورة لم تكن مشهورة، قبل عملية الاغتيال، ولأنها تحدثت في تلفزيون «الحدث» وهو ليس واسع الانتشار، وفي حلقة بدت وهى توجه نصائحها لنائب أو مرشح لعضوية مجلس النواب أنها أم المصريين، وهي تطلب من النواب أن يحافظوا على مصر!
مؤامرة خارجية
في هذا البرنامج، اتهمت المذكورة ثورة يناير بأنها فعل أمريكي وغربي، وأن مبارك تنحى حفاظاً على الجيش المصري، لأنه إن لم يستجب للإنذار الأمريكي، فإن القطع الحربية الأمريكية التي شاهدتها في ميناء بور سعيد، كانت على استعداد للاشتباك مع الجيش، لكن مبارك آثر سلامة جيشنا وتنحى، وفي 30 يونيو/حزيران جاء الأسطول السادس الأمريكي لكن الطائرات «الميغ 21» حلقت فوقه، والغواصات المصرية رابطت تحته عندئذ أيقن الأمريكان أنه ليس في كل مرة تسلم الجرة!
الحديث عن العداء الأمريكي لحكم الانقلاب العسكري ليس جديداً، والأذرع الإعلامية للانقلاب لا تتوقف عن الحرب الكلامية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، التي هُزمت ببيان عبد الفتاح السيسي وعزل محمد مرسي الذي كانت تتمسك به واشنطن، فتم عزله على غير إرادة سكان البيت الأبيض، وهي دعاية رائجة من الطرفين، فالطرف الرافض للانقلاب يعلن أنه انقلاب حظي بتأييد أمريكي وإسرائيلي، ولولا ذلك ما وقع، إن شئت فقل إنه من حسن وطنية المرء في مصر، أن يكون في عداء مع واشنطن، وهو أمر يحتاج إلى مزيد من البحث للوقوف على دلالته، فلم تنجح قناة «الحرة» في تبييض الوجه الأمريكي!
يعلن وزير خارجية السيسي أن العلاقة بين مصر وواشنطن زواجاً كاثوليكياً، لكن دراويش الانقلاب يؤكدون أن واشنطن تعادي انقلابهم، ويقول السيسي إنه أبلغ القوم في البيت الأبيض في مارس/آذار بخطة عزل الرئيس المنتخب، فلا تتوقف حلقة الذكر المنصوبة على قاعدة عداء الأمريكان لحاكمهم «الدكر»، ويعترف «الدكر» بعظمة لسانه، في بداية الانقلاب بأنه على اتصال يومي بنظيره الأمريكي، ومع ذلك فحديث أنصاره على أن الولايات المتحدة الأمريكية تعادي قائدهم الباسل لا يتوقف!
وعندما يراد شحذ الهمم ليعيش الناس عشر سنوات على الماء، كما فعل عبد الفتاح السيسي صاحب أشهر ثلاجة في العالم الآن، يقال إن مصر محاصرة، وأن واشنطن في عداء معها لأن الجيش تحرك وعزل الرئيس الإخواني، ولم يراع صلة الرحم بين أوباما وشقيقه الذي قال إعلام الانقلاب وأكد أنه من الإخوان وقد بايع على المصحف والمسدس في حجرة مظلمة!
شخصية غير مرغوب فيها
وإذا كان العداء لأمريكا من حسن وطنية المرء ، فقد بررت زوجة الفقيد «عادل رجائي» على قناة «أون تي في» بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقود الإرهاب في سيناء!
عندما يقول توفيق عكاشة ومشتقاته هذا الكلام، فليس مطلوباً من قوى عظمى أن تهبط وترد، وإن كان هذا الكلام يشغل أي باحث يريد أن يتلمس مصدر الكراهية التي لن تصلح معها عشر قنوات في هشاشة «الحرة»، رغم أن واشنطن وانحيازاً منها للانقلاب ترفض منح شخصيات اخوانية تأشيرة دخول، وإذ منحت شخصيتين تأشيرة زيارة، فقد أبلغ أحدهما وهو في الطائرة بأن عليه أن يعود أدراجه لأنه شخصية غير مرغوب فيها، أما الثاني فقد استدعته السفارة التي منحته التأشيرة وهناك تم إلغاؤها، وكأن السيسي هو القنصل الأمريكي في هذه السفارة!
ما علينا، فلا جناح على المذكورة إن قالت هذا الكلام باعتبارها ناشطة، أو محللة استراتيجية، لكن اللافت أنها تستدعي الجيش فيما تقوله، وهو أمر يدفعنا إلى تدارك معاملتنا السابقة لها باعتبارها «عكاشة»، و»عكاشة» ليس اسما لفرد، ولكنه عنوان لفرقة. ولست مشغولاً بواشنطن والموقف منها وبأسطولها السادس الذي فرطت فيه خوفاً من البطل مهاب مميش، فإن ما يشغلني هو أمر آخر وهو موقف الجيش من ثورة يناير/كانون الثاني؟ فبعد إعلان أن الجيش هو من حمى الثورة، على نحو دفع البعض من الثوار لاستدعائه لانقلاب 30 يونيو/حزيران، ليكمل مهمته في حمايتها، باعتباره الراعي الرسمي لها وقد أوقع بها الحكم الإخواني أكبر الضرر، ها هي زوجة الفقيد «عادل رجائي» تعلن أمراً آخر عبر قناة «الحدث»، فـ»يناير» ليست سوى مؤامرة خارجية وأن الجيش المصري كان يعلم هذا!
مما قالته في قناة «الحدث»، إنها كانت بصفتها محررة عسكرية، في زيارة عمل للجيش الثاني الميداني، في الإسماعيلية، في يوم الثلاثاء السابق لقرار تنحي مبارك، وفوجئت هناك بأن القوات المسلحة ألقت القبض على عدد كبير من الأجانب ومن بينهم ضباط من أجهزة إستخباراتية مهمة، وقد استقلت لنشاً مع عدد من الضباط بمفردها وبدون وجود السائق أو المصور فقد شاهدت مدمرتين أمريكيتين في ميناء بورسعيد وعليهما ضباط وجنود من المارينز، وهما من وجها الإنذار لمبارك بالتنحي ففعل حفاظاً على الجيش المصري!
كلام لا يجوز التعامل معه على أنه صادر من «عكاشة»، فلو كانت تتحدث من رأسها لما زجت بالجيش معها في هذا الحديث الخطير، الذي يعني أن «يناير» ليست ثورة شعبية حماها الجيش، ولكنها مؤامرة خارجية، والدليل على هذا هو المقبوض عليهم من الأجانب ورجال المخابرات، والذين شاهدتهم في الجيش الثاني الميداني، قبل أن تشاهد المدمرتين الأمريكيتين في رحلتها باللنش!
التحية العسكرية للمتآمرين
فهل حمى الجيش مؤامرة خارجية، ولماذا قدم عضو المجلس العسكري التحية لمن وصفهم بشهداء الثورة في ليلة التنحي، وهم ليس إلا جزءاً من مؤامرة خارجية؟ ولماذا تم النص على ثورة يناير في دستور الانقلاب العسكري وقادة الانقلاب مع رواية «سامية زين العابدين» يرونها مؤامرة دولية تحميها المدمرات الأمريكية؟!
وإذا كانت هذه الراوية كاذبة، فلماذا تركت المذكورة ولم تحاسب على استدعائها الجيش في ترديد هذه الأكاذيب، التي كان يمكن أن ترددها كما فعل إعلام مبارك، دون أن تحشر الجيش في جملة مفيدة، سواء عن المعتقلين الأجانب في الجيش الثاني، أو عن المدمرات الأمريكية المرابطة في المياه الإقليمية المصرية «قوة واقتداراً»؟!
الجانب العكاشي في شخصية المذكورة، هو المسؤول عن إعلانها أن هيلاري كلينتون كتبت في مذكراتها واقعة الأسطول السادس، الذي ذهب لحماية مرسي واستمراره رئيساً، ويقولون إذا كان المتحدث مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً، وفي الواقع فإن المذيع والضيف الآخر كانا في «فاصل دروشة»، فلما ذكرت قصة الطائرات التي حلقت فوق الأسطول السادس، والغواصات التي غاصت تحته، هتفا: «الله»! وهي حالة لا تسمح بالتفكير وبالرد بأن كلينتون لم تكن وزيرة للخارجية عندما وقع الانقلاب في مصر. وفي الأسبوع الماضي كتبت الصحافية المصرية «حنان البدري»، أنها أطلعت على المذكرات ولم تجد فيها شيئاً من هذا!
ولا تثريب على عكاشة ومشتقاته، فقد رفع عنهم القلم: «وعن النائم حتى يستيقظ»، لكن قصة المعتقلين الأجانب والتحذير الأمريكي لمبارك، من خلال المدمرات المرابطة في ميناء بور سعيد، أمر يحتاج إلى تحقيق وإلى رد، وما كان يجوز أن يمر مرور الكرام، إلا عند إساءة الظن، وهو غير متوفر، الذي يقود إلى أنها مدفوعة لأن تقول ما تقول، لا سيما وأنها في هذا الجانب محررة عسكرية مسؤولة.
فهل حمى الجيش الثورة؟ أم تماهى مع المؤامرة الخارجية؟
أضف تعليقك