شكل الإعلام أداة رئيسية من أدوات الاستقطاب والصراع بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 وتجلي ذلك بشكل واضح منذ الاستفتاء علي التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 بين الإسلاميين من جهة والليبراليين والعلمانيين من جهة أخرى، وانخرط الإعلام في هذه الحالة من الاستقطاب والصراع، مما أثر بشكل كبير علي القواعد المهنية للأداء الإعلامي بشكل عام، الذي تجلى في أبشع صوره قبل الثلاثين من يونيو 2013 ومابعدها.
بعد أكثر من ثلاث سنوات منذ الانقلاب العسكري الدموي في 3يوليو 2013 مازالت هذه الحالة موجودة وتتعمق وتترسخ في إعلام الانقلاب العسكري، وكذلك الإعلام المناهض للإنقلاب العسكري مع فارق الإمكانيات الكبير وحجم التأثير لصالح إعلام الانقلاب العسكري، الذي كان له دور كبير ولايزال في التحريض علي القتل وسفك الدماء واغتيال الحريات العامة والخاص،ة وتحول إعلام العسكر إلى آلة جبارة للدعاية السوداء، التي تدعو لاستئصال الإخوان المسلمين وكل من يعارض الانقلاب العسكري. ومع ذلك يستطيع الإعلام المساند للثورة والمناهض للحكم العسكري رغم ضعف إمكاناته و بشيء من حسن الإدارة والتوجيه والتخطيط، ,يستطيع تحقيق الكثير في رفع وعي الشعب المصري والتقليل من حدة الانقسام المجتمعي عبر خطاب إعلامي واع وراشد، يجمع ولايفرق ويحشد كل الجهود والطاقات ويستغل كل المواقف والتصريحات لمواجهة الإنقلاب العسكري، وخلق حالة من الزخم الثوري مرة أخرى من خلال تبنيه بعض المضامين مثل:
الاهتمام بآلام الشعب المصري وهمومه ومعاناته ومشكلاته تحت حكم الانقلاب العسكري ومشاركته هذه الهموم وتحليلها بمنطقية، بعيدا عن الغلو والبعد عن الاستخفاف والشماتة فيما يتعرض له الشعب من مشكلات ومصاعب، بعيدا عن التوظيف السياسي.
-تجنب تبني أي نوع من أنواع خطابات العنف أو التحريض عليه من خلال الفتاوي أو النقاش أو التوجيه، وإذا كان لابد من تناول وقائع بعينها فبتحليل منطقي مهني متجرد؛ ,لأن تبني هذا الخطاب سينعكس قمعا وإرهابا وتنكيلا بحق القابضين على الجمر بالداخل، وسيستفيد منه العسكر في تخويف الشعب وتبرير القمع والإرهاب، ,وأيضا على المستوي الخارجي في حربه المزعومة على الإرهاب المحتمل الذي يصنعه ويغذيه.
-لاينبغي بأي حال من وجهة نظري رفع السقف عاليا بالمخالفة للواقع، وترديد العبارات الحنجورية التي تدغدغ العواطف والمشاعر؛ لأن ذلك يعد تسويقا للوهم بعيدا عن الواقع مع استغلال كل الأحداث والمستجدات داخليا وخارجيا لرفع همم الثوار وبث الأمل في نفوسهم.
التقليل من مساحة السخرية التي باتت مسيطرة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنها تساهم في تفريغ شحنات الغضب المكبوت بداخل الثوار، بدلا من تحويلها إلى أفعال على أرض الواقع ,لذلك لابد من التوازن.
- الخروج من شرنقة تناول الخلافات الداخلية بين مكونات الثورة والبعد عن تناولها، والتركيز على هموم الوطن وخطايا العسكر بحق الشعب والوطن، فالوطن أكبر من الجميع.
- البعد عن الشماتة في ضحايا الجيش في سيناء وغيرها، فهؤلاء من أبناء الشعب على خلاف القيادات التي تلقي بهم إلى التهلكة، لحساباتهم المتعلقة بالسيطرة والبقاء ولو على جثث الشعب.
- البعد عن الهجوم الشامل على المسيحيين، والتفريق بينهم وبين قيادة الكنيسة، وتوضيح أن سياسات الكنيسة المساندة للحكم العسكري والمؤيدة للتطبيع مع الصهاينة، ستكون وبالا على المسيحيين بشكل عام في المستقبل، في بلد أكثر من 95% من سكانه مسلمون.
- تبني خطاب متوازن يقلل من حدة الانقسام المجتمعي، ويسعي لكسر الهوة بين شرائح المجتمع المختلفة؛ من أجل تدعيم لحمة المجتمع، وتشكيل كتلة صلبة تستطيع مواجهة الانقلاب العسكري.
- التركيز على معركة الوعي وتفكيك كل الأساطير والأوهام التي يروجها العسكر، مثل: حماية الأمن القومي والحفاظ علي الأرض وغيرها، وبيان أن العسكر هم سبب البلاء والنكبات التي تعيشها مصر منذ عام 1952 إلي الآن.
- فضح العلاقة الوثيقة بين قادة العسكر والكيان الصهيوني، وأثر ذلك على تدمير الأمن القومي المصري وإضعاف مناعة الوطن والشعب.
- فضح كل مايقوم به العسكر من نهب وتدمير لمقدرات البلاد ومصائر العباد، مثل: التفريط بتيران وصنافير، والتفريط بغاز شرق المتوسط، واتفاقية سد النهضة وغيرها.
- فضح انتهاكات نظام الانقلاب العسكري وجرائمه بحق معارضيه وبحق الشعب ككل، وإن استمر هذا الحكم سيؤدي إلى تفكيك البلاد وتدميرها.
- التركيز على أي حراك مناهض للانقلاب العسكري داخليا وخارجيا، والتواصل الدائم مع مسؤولي المنظمات الحقوقية الدولية والناشطين في مجال حقوق الإنسان.
-زيادة مساحة الآراء المشاركة في الحوارات على اختلافها، وإدارة الحوارات بمهنية وحرفية تخدم أهداف الثورة وتحقق تطلعاتها.
هذا ما أسعفتني به الذاكرة وما أعتقد أنه سيؤدي في النهاية إلى أن يمتلك إعلام الثورة أدوات صنع الحدث، التي تعري السلطة العسكرية أمام الشعب بكامل شرائحه، وتجعل هذه السلطة في موقف رد الفعل والتبرير، مما يمهد بحول الله لإحداث تغيير في المشهد البائس الذي تعيشه البلاد.
أضف تعليقك