أكد الكاتب الصحفي وائل قنديل أنه لا تختلف عملية "هندسة قوائم العفو الرئاسي" في تفاصيلها عن صناعة كوميديا "فتاة التروسيكل" التي استقبلها زعيم المقتلة في قصره، واصفا المسلسل الفاشل بـ"دراما شديدة الابتذال"، موضحا أن نكبة مصر ليست في غياب الحكم الرشيد، وتوحش النظام البليد، ولكن في تبلد قطاعٍ واسع من المحكومين، تجعله يرى الناس مذبوحين، فيبحث عن ملاذٍ آمن في غياهب الصمت، و يتطوّع بالتبرير، وتكذيب ما ترى عيناه، وتسمع أذناه.
وأضاف قنديل -خلال مقاله في صحيفة "العربي الجديد" اليوم الجمعة- أنه في الوقت الذي تصل أنباء الجحيم المستعر في السجون، يشوي المحبوسين، وتطاول ألسنته الأهالي على البوابات والطرقات، فلا تهتز ضمائر، أو تتداعى الحناجر للهتاف والاحتجاج، كان إعلام السيسي يحتفي بصاحب القلب الكبير، رجل البر والإحسان، على كرمه وعفوه عن 82 سجيناً، تم اختيارهم وفقاً للمواصفات الفاشية الصريحة.
وأشار إلى الجحيم في سجن برج العرب بعد أن اختفت أثار المحبوسين ونقلهم في سجون مختلفة، حتى أن أسرهم أصبحت تجوب البلاد شرقا وغربا للبحث عن ذويهم بعد حركة التنقلات الأخيرة، وتوالي صرخات المظومين التي تحاول، إيقاظ النائمين، وشهادةً أحد أقارب معتقلي برج العقرب على روايةٍ متداولةٍ بشأن ما دار بين اللواء حسن السوهاجي رئيس مصلحة السجون والمحبوسين، حيث قال لهم:"أنت مسجون يعني مقيّد الحرية، تعامل برغبتنا وكما نريد نحن، وكما نرى أنك تستحق، لا كما تريد أنت.. ليس لك عندي أي حقوق، كل ما لك هو عطاء مني، أستطيع منعه عنك، متى شئت".
وقال قنديل إن كلام السوهاجي لم يخرج عن كونه مزيداً من التهديدات المتغطرسة، والتعامل مع المحبوسين باعتبارهم عبيداً لآلهة البطش والتعذيب داخل السجون، هي نفسها الفكرة المسيطرة على السيسي في رؤيته للشعب، هو وحده الذي يرى، وهو الذي يقرر، هو العارف والحامي والعاطي، وعلى الجميع ألا يستمعوا لأحدٍ غيره، لتتحوّل مصر كلها إلى "سجن عقرب" كبير، يديره سجّان، لا يريد إزعاجاً من النزلاء.
وأشار إلى جريمة تصفية بائع السمك، مجدي مكين، تعذيباً حتى الموت، على يد ضابط شرطة صغير، لتفرض المقارنة نفسها بين جريمة طحن بائع السمك المغربي، وسحل زميله المصري، أو بالأحرى المقارنة بين مجتمعين. الأول انتفض هادراً بالقرب من الأطلسي، والثاني راح يغط في سكوته العميق، مفتشاً عن أسماء في قائمة عفوٍ تم طبخها للإعلان عنها في يوم ميلاد جنرالٍ أعمل آلة القتل في المصريين، قبل اعتلائه الحكم وبعده.
وأكد قنديل أن صناعة هذا الجنرال الزائف الذي يصادف ميلاده ذكرى اغتيال الشهيد الدكتور طارق الغندور في محبسه، محروماً من الدواء والعلاج، في مثل هذا الأسبوع من العام 2014، ويصادف أيضاً الإعلان عن براءة طالب الطب النابه أحمد مدحت، من تهمة الدعارة التي لفقتها له السلطة، بعد أن قتلته قبل شهور، لا تختلف فيها عملية "هندسة قوائم العفو الرئاسي" في تفاصيلها عن صناعة كوميديا "فتاة التروسيكل" التي استقبلها زعيم المقتلة في قصره، ليمازحها ويطلق ضحكاته في الشاشات والميكروفونات، صارخاً في مشهدٍ يصلح لتدريسه نموذجاً للدراما الفجّة، المبتذلة، أنا إنسان.. أنا أعطف على الفقراء.
واختتم مقاله بأنه وكما وقع الاختيار على فتاةٍ التروسيكل التي أغرقوا بصورها مواقع التواصل الاجتماعي، ينعقدَ مؤتمر للشباب في شرم الشيخ، تطرح فيه مسألة حبس داعية الانقلاب الشاب، ويناشدوا الزعيم العفو، فيتم تشكيل لجنة، واللجنة تضع قائمة، والقائمة تضم الناعوت والناعوتة، وحولهما مجموعة من شبابٍ مشمولين بالعفو، ولا تتوقف المصادفات عند هذا الحد، بل تتعثر اللجنة، وتتأخر في إعلان القائمة، ثم ترسلها، ليأتي القرار الرئاسي بالموافقة مع بدء الاحتفال بيوم عيد ميلاد الزعيم.. سبحان الله يا مؤمن!! وتنطلق الزغاريد وتقام الأفراح، ابتهاجاً بالمكرمة السلطانية، ولسان حالهم ينطق" في يوم عيدك يا مولاي".
أضف تعليقك