أحيت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الذكرى التاسعة والعشرين لانطلاقتها، وقد مرت بالعديد من المحطات التي شكلت فيها الحركة معادلة صعبة لا يمكن تجاوزها، وباتت اليوم حاضرة بقوة في المشهد السياسي الفلسطيني.
محطات أفرزت إنجازات وتحديات تخطتها الحركة بحكمة واقتدار، زاوجت خلالها بين العمل السياسي والمقاومة، دافعت عن شعبها، وانتصرت للقدس وألهبت انتفاضتها المستمرة اليوم، وشكلت القدس بوصلتها، وفلسطين كل فلسطين عنوان طريقها نحو التحرير.
انتفاضة الحجارة
كانت الانتفاضة الأولى عام 1987م، والتي تزامن تفجرها مع انطلاقة حركة حماس مفصلاً هاماً ومحطة مضيئة في كفاح الشعب الفلسطيني وباكورة العمل المقاوم لحماس، فألهبت الحركة شعلة الانتفاضة وزادت من عنفوانها، وأضافت زخماً قوياً لمسيرة العمل الفلسطيني المقاوم.
شاركت الحركة بفاعلية كبيرة في يوميات الانتفاضة وفعالياتها، ما أذكى جذوتها، فتركت بصمة جلية وواضحة في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني، والعمل الفلسطيني المقاوم.
وفي محاولة يائسة لتقويض الانتفاضة وضرب المقاومة، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي عام 1989م، المئات من كوادر الحركة وقيادتها وعلى رأسهم مؤسسها الشيخ أحمد ياسين، لكنها لم تثنِ الحركة عن مواصلة مسيرتها النضالية.
مرج الزهور
لم يكتف الاحتلال باعتقال قادة المقاومة ولم يرُق له الدور الذي لعبته حركة حماس في استنهاض العمل الفلسطيني المقاوم، ورأى في وجودها خطراً يهدده، فأبعد المئات من قادتها وكوادرها إلى خارج فلسطين حيث مرج الزهور في لبنان في محاولة يائسة لتغييب الصوت الفلسطيني المقاوم.
هناك حضرت فلسطين بقوة في الوجدان العربي والإسلامي، ونجح القادة المبعدون في كسر قرار الإبعاد لاحقاً ولفتوا الرأي العالمي والإقليمي إلى القضية الفلسطينية، وعكسوا صورة الفلسطيني المؤمن بحقوقه الوطنية وثوابته، الساعي إلى حرية شعب يرزح تحت الاحتلال.
السلطة تلاحق المقاومة
ومع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 كنتاج لاتفاق أوسلو والذي فرطت فيه السلطة الوليدة بـ 78% من أرض فلسطين التاريخية، في إطار ما يسمي بحل الدولتين، بات الفلسطيني أمام نموذجين، نموذج يراهن على مفاوضات لم تجنِ سوى وهم وسراب، وآخر امتشق السلاح وانتهج المقاومة طريقاً لاستراد حقوق شعبنا المسلوبة.
لاحقت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية معارضيها السياسيين من قادة المقاومة الفلسطينية وكوادرها كاستحقاق أمني لاتفاق أوسلو المشؤوم، وتحولت إلى أداة أمنية مسلطة ضد أي صوت فلسطيني مقاوم ينادي بمقاومة الاحتلال، وغدا التنسيق الأمني العنوان الأبرز في ملاحقة فصائل المقاومة وخاصة حركة حماس.
انتفاضة الأقصى
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر من العام 2000، أعادت حركة حماس تشكيل صفوفها عقب الملاحقة الأمنية التي تعرضت لها من قبل السلطة، وشاركت في الانتفاضة بقوة من خلال العديد من العمليات الفدائية التي أذكت شعلة الانتفاضة وزادت من زخم العمل المقاوم وطورت من الأساليب القتالية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
وأمام تعاظم التطور العسكري لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، وتحت ضربات المقاومة الفلسطينية، اندحر الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة في سبتمبر من عام 2005، وباتت أول أرض فلسطينية محررة، ما شكل انتصاراً تاريخياً لمشروع المقاومة الذي تتبناه حركة حماس.
الانتخابات التشريعية
تلا الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة إجراء ثاني انتخابات فلسطينية حيث جرت عام 2006، شاركت فيها حركة حماس، وفازت فيها بـ 60% من المقاعد؛ لينتصر الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة، ويُسقِط مشروع أوسلو ومفاوضاته العبثية.
وبينما اضطرت حركة حماس لتشكيل الحكومة العاشرة وحدها في ظل رفض الفصائل المشاركة فيها، واجهت تحدياتٍ وعراقيل جسيمة تخطتها بحكمة وثبات ووعي.
فرضت حركة حماس الأمن ورسخت ثقافة الأمان في حياة المواطن، كما نجحت في المزاوجة بين الحكم والمقاومة، ولعل أسرها الجندي جلعاد شاليط في حزيران من العام 2006 خير دليل على ذلك.
الحصار وحرب 2008
وأمام فوز حماس وسعياً إلى تقويض برنامج المقاومة، فرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً محكماً على قطاع غزة، أغلق فيه جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية المؤدية إلى القطاع، حصار إسرائيلي فشل على صخرة صمود الشعب الفلسطيني واحتضانه لخيار المقاومة.
وأمام فشل سياسة الحصار، لجأ الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام القوة، فشن عدواناً على شعبنا الفلسطيني في ديسمبر من العام 2008 بهدف القضاء على حكم حركة حماس، فاستهدف في اللحظة الأولى من العدوان أكثر من 100 مقر حكومي ومركز أمني، ألحقها بتوغل بري في قطاع غزة خلّف قرابة 1500 شهيد وخمسة آلاف جريح.
قدمت حماس خلال العدوان نموذجاً فريداً للعمل في أقسى الظروف، رغم استهداف مقرات الحكومة المدنية والأمنية واغتيال وزير داخليتها سعيد صيام، إلا أنها استطاعت مواصلة عملها بطريقة استثنائية في ضبط الأمن الداخلي وإدارة شؤون القطاع، ورعاية الوضع الصحي والإغاثي، ودفع رواتب الموظفين أثناء العدوان، وأظهرت فشل الأمن الإسرائيلي في الوصول إلى أحد أهم أهداف العدوان وهو تحرير الجندي الأسير في غزة جلعاد شاليط.
وفاء الأحرار
أجبرت حنكة المقاومة وجلادتها الاحتلال الإسرائيلي للرضوخ إلى مطالب المقاومة الفلسطينية وشروطها، فكانت صفقة وفاء الأحرار، التي حررت المقاومة بموجبها 1027 أسيرا من سجون الاحتلال.
وشكلت الصفقة عرساً فلسطينياً ولوحة وطنية جميلة، شملت أسرى فلسطينيين من القوى الفلسطينية كافة ومن الأراضي الفلسطينية المحتلة كافة، وأظهرت تفوقاً فلسطينياً نوعياً من خلال احتفاظ المقاومة بشاليط لخمس سنوات كاملة وإجبار الاحتلال على دفع الثمن.
حرب 2012
ولدوره في أسر جلعاد شاليط وبروزه كمهندس لصفقة وفاء الأحرار، اغتال الاحتلال الإسرائيلي عضو المجلس العسكري لكتائب القسام أحمد الجعبري، وبدأ الاحتلال عدواناً شاملاً على قطاع غزة ردت المقاومة الفلسطينية بقصف تل أبيب والقدس لأول مرة في تاريخ الصراع مع الاحتلال.
استطاعت حماس أن تغير من موازين القوى، وتفرض نفسها كرقم لا يمكن تجاوزه ومعادلة لا يمكن الاستهانة بها، بعد أن وضعت أكثر من نصف سكان "إسرائيل" تحت التهديد باستهدافها العمق الإسرائيلي والمدن التي تبعد عن غزة عشرات الكيلومترات.
حرب 214
في يوليو عام 2014م، شن الاحتلال عدواناً جديداً للقضاء على حركة حماس ومنظومتها العسكرية، أراد منه أن يكون جرفًا يأتي على المقاومة، فحولته المقاومة إلى عصف مأكول، استطاع الجناح العسكري لحماس أن ينفذ عددا من عمليات الإنزال خلف خطوط العدو وهشم صورته المهزوزة في عملية نحال عوز، ومرغ صورة الجندي الإسرائيلي لما دون التراب.
استخدم الاحتلال نصف قوته الجوية على مدار خمسين يوما، لكنه عجز عن القضاء على حركة حماس، وأثبتت حماس عجز جيشه في الكثير من المواقف، حينما اخترقت منظومته الأمنية ونفذت عملية زكيم البحرية داخل قاعدة القيادة العسكرية، وحينما تحدت القبة الحديدية أن توقف صواريخها المتجهة نحو تل أبيب.
محطات وتحديات تجاوزتها الحركة وتصدر لها خيرة قادتها ومجاهديها، الذين بحياتهم شهداء، وخلفهم جيل إثر جيل رسخ حضور الحركة رقماً صعباً في معادلة الصراع مع الاحتلال وصولاً إلى إنهائه وتحرير فلسطين.
أضف تعليقك