لا تزال أصداء التفجير الآثم الذي ضرب الكنيسة البطرسية بالقاهرة صباح الأحد 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، والذي أعلنت "داعش" مسؤوليتها عنه عقب 48 ساعة من حدوثه بعد تضارب روايات الأمن، وعلى خلاف روايات شهود العيان من المسيحيين- تلقي بظلالها على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر المحروسة، فالمشهد المصري يبدو معقداً ومركباً، ولتفكيك المشهد هناك 3 أطراف رئيسية يجب إلقاء الضوء على مواقفهم وتصريحاتهم قبل وبعد التفجير لنصل إلى صورة مكتملة ربما تسهم في توضيح المشهد الملتبس؛ (النظام العسكري - قيادة الكنيسة - رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس).
هناك عدد من الإشارات التي حدثت قبل التفجير لا بد من الإشارة إليها، مثل تصريحات مفيد فوزي المسيئة إلى الشيخ الشعراوي، وحديث السيسي وتأكيده ضرورة تطوير الخطاب الديني، والحديث المكثف في وسائل الإعلام عن ضرورة تعديل المناهج التعليمية لمواجهة الفكر المتطرف، ثم حدوث التفجير في ذكرى مولد سيد المرسلين.
كما ذكرنا من قبلُ، فإن القاعدة القانونية تقول "لمعرفة الفاعل في أي عمل إجرامي، فتِّش عن المستفيد".
وقبل الخوض في تفاصيل مواقف الأطراف الثلاثة، لا بد أولاً من الإشارة إلى أن "داعش"، التي تبنت التفجير بعد حدوثه بـ48 ساعة، هي -بحسب مراقبين ومحللين- "تلك المجموعات المسلحة التي أسسها محمد دحلان في مصر بأموال إماراتية وبتعاون مع رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، وهذه المجموعات المسلحة على صلة وطيدة بجهاز المخابرات الحربية المصري".
الأول: النظام العسكري
من خلال متابعة تصريحات عبد الفتاح السيسي وأركان النظام العسكري وأذرعه المختلفة، نجد أنها تصب في اتجاهين أساسيين:
أولاً: إجراء تعديلات دستورية (يبدو أنها كانت معدة سلفاً وتنتظر الظروف السياسية والاقتصادية التي تسمح بتمريرها). هذه التعديلات تسمح بتوسيع نطاق المحاكم العسكرية، فضلاً عن تعديلات تتيح زيادة الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات.
ثانياً: شيطنة معارضي النظام العسكري في الداخل والخارج، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين.
عقب جنازة الضحايا، وبحضور رأس الكنيسة، طالب السيسي البرلمان والحكومة بالتحرك سريعاً لإصدار قوانين تتصدى للإرهاب بشكل فعال وحاسم عبر تعديل القوانين التي وصفها بالمكبِّلة، والتي تمنع توقيع الجزاء الرادع على الجناة، بحسب قوله.
وبعد ساعات من وقوع التفجير وقبل أي تحقيقات، طالب نواب وسياسيون وإعلاميون مؤيدون للانقلاب العسكري، بحزمة من التدابير والإجراءات الاستثنائية المقيدة للحريات، من بينها تعديل الدستور وقوانين التقاضي لمحاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب أمام المحاكم العسكرية بدلاً من القضاء المدني.
وقال رئيس برلمان السيسي، "علي عبد العال"، إن المجلس عقد العزم على مواجهة الإرهاب بالتدابير والتشريعات المناسبة حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور! واقترحت النائبة لميس جابر فرض مزيد من الإجراءات الاستثنائية؛ من بينها "تهجير أهالي المناطق الحدودية في سيناء لتسهيل الإجهاز على الإرهاب المتوطن هناك" بحسب قولها، وطالبت النائبة المسيحية في برلمان السيسي نادية هنري باتباع إجراءات استثنائية في محاكمة الإرهابيين، منها إصدار الأحكام دون استئناف أو نقض، وطالب كل من النائب محمد أبو حامد والنائبة مارغريت عازر بالمطالب نفسها مع توسيع نطاق المحاكم العسكرية بدلاً من المحاكم المدنية.
الثاني: قيادة الكنيسة القبطية
أما قيادة الكنيسة القبطية، فتعلم أنها شكّلت من خلال دعوة أبنائها للاحتشاد ضد الرئيس مرسي، الكتلة الصلبة لانقلاب 30 يونيو/حزيران 2013. وهناك مطالب لها لا بد من تحقيقها، أقلها أن "مصر ليست دولة إسلامية وإن حكَمها المسلمون"، وقد تماهت مواقف قيادة الكنيسة إلى حد بعيد مع مواقف النظام العسكري بعد حادث التفجير ولم تكن هناك أي ردود فعل خارج السياق، عكس ردود فعل جموع المسيحيين التي طالبت بإسقاط النظام بشكل صريح.
في حواره مع برنامج "من ماسبيرو" الذي يُبث عبر التلفزيون المصري الرسمي، قال القس مكاري يونان راعي الكنيسة المرقسية بالأزبكية معلقاً على التفجير الذي ضرب الكنيسة البطرسية: "إن السيسي مرسَل من السماء، ولم يمر على مصر رئيس زي السيسي، والرب أرسله لإنقاذ مصر"، ووصف المحامي المسيحي ممدوح رمزي "العلاقة بين المسيحيين والسيسي بأنها زواج كاثوليكي لا ينتهي إلا بالموت"، وقد أعطى السيسي أوامره للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بعد التفجير مباشرة بترميم 23 كنيسة، وترميم جميع الكنائس على مستوى الجمهورية خلال العام المقبل 2017.
من جانبه، قال الدكتور إيهاب رمزي، أستاذ القانون المسيحي، المقرَّب من قيادة الكنيسة القبطية، في مقابلة تلفزيونية بعد حادث التفجير: "إن كتاب التربية الإسلامية للصف السادس الابتدائي به تفسير لسورة الفاتحة يقول إن (المغضوب عليهم) هم اليهود و(الضالين) هم النصارى"، واشترك هو ومقدم البرنامج المسلم في القول بأن هذه (كارثة) وأن هذه المناهج بهذه الطريقة تولّد الإرهاب والكراهية ولا بد من تعديلها!.
وفي السياق ذاته وتعليقاً على التفجير، قال الباحث إسلام بحيري: "إن القنبلة مش في الكنيسة، القنبلة في كتب التراث الإسلامي".
وهذه إشارة واضحة إلى التدخل في المناهج التعليمية وتعديلها بما يتفق مع ما تريده الكنيسة القبطية.
الثالث: رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس
أما الملياردير المسيحي نجيب ساويرس، فقد أعلن بعد التفجير بدقائق على موقع تويتر أن جماعة الإخوان المسلمين هي المسؤولة عن التفجير، دون انتظار لأي تحقيقات، علماً بأن الذي يقوم على تأمين الكاتدرائية من الداخل هي شركات أمن خاصة مملوكة لنجيب ساويرس.
وبالعودة للتاريخ القريب، سنجد أن نجيب ساويرس بعد الثورة، طالب بشكل صريح ودون مواربة بالتدخل الخارجي في مصر لحماية الأقلية المسيحية من اضطهاد المسلمين وكان ذلك في أكثر من لقاء على محطات تلفزيونية كندية، واتُهمت شركته "موبينيل" في أغسطس/آب 2011 بالضلوع في عمليات تجسس لصالح الكيان الصهيوني عن طريق بناء أحد أبراج المحمول في منطقة العوجة الحدودية مع الكيان الصهيوني، بما يسمح بمراقبة المكالمات عن طريق الشبكة، وهدد غير مرة بالتصدي للمظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري بالقوة عبر ميليشياته إذا عجز النظام عن التصدي لها، وهو أيضاً متهرب من سداد ضرائب مستحقة عليه للدولة قيمتها 14 مليار جنيه، دفع نصفها مجبراً في عهد الرئيس مرسي، وأعفاه السيسي من الباقي بعد ذلك، ولنجيب ساويرس مصالح يريدها لتحقيق أغراضه، أقلها أن تتحول عناصر شركات الأمن الخاصة المملوكة له إلى ميليشيات داخل الدولة بذريعة حماية الكنائس والأديرة التي عجزت الدولة عن حمايتها وتأمينها.
- ردود الفعل الصهيونية على حادث التفجير
المتابع للصحف العبرية خلال الـ48 ساعة التي أعقبت الانفجار، يندهش لحجم الاهتمام الصهيوني بالحادث الذي تعرضت له الكنيسة، من خلال التحريض على إشعال نار الفتنة الطائفية بشكل واضح، حيث اتهم موقع "والللا" الإخباري جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء التفجير، تماماً كما زعمت الأبواق الإعلامية للنظام العسكري المصري، وزعمت "شيمريت مائير"، رئيسة تحرير أحد المواقع الصهيونية الصادرة باللغة العربية، أن مناهج التعليم المصرية تلعب دوراً كبيراً في نشر التحريض ضد الأقباط، تماماً كما زعم إسلام بحيري وإيهاب رمزي وغيرهما.
من خلال هذه المتابعة، نجد أن أكبر المستفيدين من التفجير الإجرامي الذي وقع في الكنيسة البطرسية هو النظام العسكري وقيادة الكنيسة ورجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس ومن على شاكلته بدعم واضح من الكيان الصهيوني، حتى لو كان الثمن هو دماء الأبرياء.
إن هذا التحالف الثلاثي الغادر، المكون من النظام العسكري وقيادة الكنيسة ورجل الأعمال المسيحي المتطرف نجيب ساويرس والمدعوم بشكل واضح من الكيان الصهيوني، يمثل خطراً كبيراً على المجتمع المصري (مسلمين ومسيحيين)؛ فهو يدفع البلاد دفعاً نحو الفتنة والاحتراب الأهلي، وعلى المسيحيين أن يدركوا خطورة هذا التحالف الغادر عليهم قبل المسلمين، وعلى الجميع التوحد ضدهم لإنقاذ الوطن المصري من مصير مجهول تُسفك فيه الدماء وتضيع بسببه المقدرات.
أضف تعليقك